ظهرت في الأزمان المتأخرة أنواع من الإزار مخيطة من أعلاها إلى أسفلها؛ فهل يجوز للمحرم لبس هذا النوع؛ أم تجب فيه الفدية؟
اختلف أهل العلم في الإزار المخيط من أعلاه إلى أسفله على قولين([1]):
القول الأول: أن الإحرام بالإزار المخيط لا يجوز وهو موجب للفدية, وهو ظاهر قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. واستدلوا بأدلة منها:
الدليل الأول: قول النبي ﷺ لجابر رضي الله عنه عن ثوبه في الصلاة: (إن كان واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فاترز به). [البخاري (354), ومسلم (3010)].
وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ بيَّن لجابر كيفية لبس الثوب في الصلاة؛ فإن كان واسعاً ستر به جميع بدنه وإن كان ضيقاً اكتفى بستر أسفل البدن, ولو كان الملبوس مخيطاً لما أمكن فيه ذلك؛ فدل على أن ما يسمى بالإزار هو ما يستر أسفل البدن, وليس مخيطاً.
الدليل الثاني: أن الإزار المخيط وإن لم ينص عليه بعينه؛ فهو داخل فيما أجمع عليه أهل العلم من المحرمات على المحرم من اللباس؛ فهم أجمعوا على ما ذكر في الحديث من اللباس الممنوع, وألحقوا به ما في معناه؛ فليس للمحرم ستر بدنه بما عمل على قدره, ولا ستر عضو من أعضائه بما عمل على قدره.
الدليل الثالث: أن أهل اللغة فسروا الإزار بأنه الملحفة, والملحفة هي ما يلتحف به مما لم يخط طرفاه؛ لأنها اللباس الذي فوق سائر الألبسة.
القول الثاني: أن الإحرام بالإزار المخيط جائز لا يوجب الفدية. وهو مقتضى قول الشوكاني في حصر التحريم بما ورد النهي عنه, واختاره ابن عثيمين ورأى أنه مقتضى قول جمهور أهل العلم.
واستدلوا بأدلة منها:
الدليل الأول: حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه سئل: (ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال: لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس..) [البخاري (1468), ومسلم (1177)].
وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ عدَّ ما يمنع من اللباس, ومن منع شيئاً زائداً على ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد له من دليل؛ لأنه ﷺ لما عدل عن الجواب عن بيان ما يلبسه المحرم إلى ما يمنع منه من اللباس دل على أن ما يجتنبه محصور, وأن ما لا يجتنبه غير محصور؛ ويبقى على الإباحة.
الدليل الثاني: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل)، [البخاري (1746)].
وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ أطلق لفظ الإزار, ولم يقل إزاراً لم يخط أو ليس فيه خياطة؛ فدل على أن المخيط داخل في عموم النص, ومن أخرجه فعليه الدليل.
الدليل الثالث: أن كلمة مخيط لم ترد على لسان الشارع؛ وإنما ورد لا يلبس المحرم كذا وكذا؛ ومن المعلوم أن المحرم لو لبس قميصاً منسوجاً بدون خياطة ما جاز لبسه؛ فلفظ المخيط غير دقيق, وأول من ذكره إبراهيم النخعي؛ والأولى الأخذ بلفظ الشارع، وهو لا يمنع من لبس الإزار المخيط؛ لأنه لا يدخل في نص الحديث, وإنما كان إدخاله عند البعض لأنه مخيط.
الدليل الرابع: أن وضع التكة للإزار لإمساكه جائز عند جماهير أهل العلم, والخياطة في الإزار مثل التكة فتجوز.
([1]) بدائع الصنائع (2/184), البحر الرائق (3/11), الاستذكار (1/34), مواهب الجليل (4/204), المجموع (7/236), روضة الطالبين (3/126), المغني (5/11), كشاف القناع (2/427).
1. الشرح الممتع لابن عثيمين (22/133).
2. فتاوى ابن عثيمين (7/121).
3. مشكل لباس الإحرام لإبراهيم الصبيحي ص(82).