الآثار المترتبة على إثبات موجب الضرر في التجارب الطبية
مسألة رقم 3
القتل في التجارب الطبية.
العدوان في التجربة الطبية.
إذا ادّعى المريض أو وليّه مسئولية الطبيب عمّا لحقه من ضرر التجربة الطبية وأنكر الطبيب ذلك، وأقام المُدَّعِي الدليل على حدوث الضرر، وأنّه بسبب الطَّبيب المُعالِج؛ لجهله بما أقدم عليه، أو لتقصيره وإهماله، أو لمخالفته الأصول العلميّة الثابتة، فما الآثار التي يمكن أن تترتب على هذا الإثبات؟
إذا أقام المريض الدليل على حدوث الضرر، وأنّه بسبب الطَّبيب المُعالِج؛ لجهله بما أقدم عليه، أو لتقصيره وإهماله، أو لمخالفته الأصول العلميّة الثابتة، فإنه يثبت بذلك جملة من الآثار التي يختلف الحكم بها باختلاف حال الطبيب، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: القصاص:
إذا ثبت أنّ الطَّبيب قصد العمل الطبي الذي من شأنه إحداث الموت للمُجرَّب عليه، أو جرحه، أو إبانة طرفٍ منه، عالماً به وبنتائجه، وكان ذلك عُدواناً منه بحيث لا يريد به علاجه من مرضٍ به، فإنّه يُقتَصُّ منه، إذا تحقّقت شروط القصاص، وأمكن استيفاؤه.
ويُعرف كون الطَّبيب قاصِداً للقتل باستعماله ما يقتُل غالباً كالجراحة الخطرة، وترك ربط العِرق النَّازف مع علمه به، وسقي الدَّواء القاتل.
ويُعرف كون التّجرِبة عُدواناً بأن يقوم بها الطَّبيب مع تيقُّن عدم السَّلامة، أو ظنِّه ذلك ظناً غالباً، حتى وإن زعم قصد العِلاج أو تطوير الطِّب؛ لأن التَّجرِبة على هذا النحو ليست موضوعةً للعِلاج، ولا يحصل بها تطوير الطِّب.
ومما ذكره بعض الفقهاء من العدوان الموجب للقِصاص:
أـ جهل الطبيب.
وهذا مُسَلَّمٌ به في التَّجرِبة العلميَّة التي لا تُحقِّق للمُجرَّب عليه فائدة مباشرة؛ لأنّ العدوان عليه ظاهر، وأمَّا التَّجرِبة العلاجية التي يُراد بها إنقاذ المريض أو تخفيف ألمه فليست من العمد الموجِب للقِصَاص، لأنّ الطَّبيب وإن كان قاصِداً إلى الفعل إلا أنه مخطيءٌ فيه، حيث لم يقصد ضرر المريض، وإنما قصد نفعه أو رجا ذلك، ولأنّ علاج المريض لا يكون إلا بإذن منه، فكان ذلك شبهة يسقط بها القِصَاص.
ب. عدم الإذن للطبيب.
والتَّجرِبة العلاجية تختلف عن التَّداوي؛ لأنها لا تُشرع إلا إذا أخفقت وسائل المُعالجة المعروفة والمستقِرّة علمياً في تحقيق الشفاء للمريض، وغلَب على ظنِّ الطَّبيب الحَاذِق إنقاذ المريض بها من الهلاك، أو إنقاذ عضوٍ من أعضائه، أو منفعة من منافعه من التّلف، فإذا استوفت شروط الجواز لم يجِب بها قَوَدٌ ولا دِية؛ لما يأتي:
١- أنّ قيام الطبيب الحاذق بالتّجرِبة الطبية لعلاج المريض الذي لا يُعرَف لمرضه علاج، أو يعرف له علاج لكن لا يمكن القيام به لأمرٍ خارج عن إرادة الطبيب؛ لنقص الأجهزة، أولفقده الدواء ونحو ذلك.
٢- أنّ التَّجرِبة العلاجية في الحال المذكورة من التَّداوي المأذون به، ومن داوى معصوماً على الوجه المأذون به فهو محسن.
٣- أنَّ إنقاذ المعصوم من الهلاك واجبٌ مع القدرة عليه، فإذا تعيَّنت التَّجرِبة العلاجية لإنقاذ المريض، بأن غلب على ظنّ الطبيب الحاذِق انتفاع المريض بها، ثم مات المريض، فلا ضَمَان على الطَّبيب؛ لأن الفعل الواجب لا يجامعه الضمان.
وأمّا التَّجرِبة العلمية فيجب فيها القِصاص لترك الإذن؛ لما يأتي:
1- أنّ للإنسان حقاً في جسده، فلا يجوز التّجرِيب عليه بغير إذنه؛ لأن حق الآدمي لا يجوز لغيره التصرف فيه بغير إذنه، لاسيما وأن التجربة العلمية لا تحقق فائدة مباشرة له.
2ـ أن التجرِيب على الإنسان بغير إذنه اعتداءٌ عليه، فهو بمنزلة فعل ذلك ابتداءً على وجه الجناية.
ثانياً: الدية.
التّجارِب الطِّبية المأذون بها من جهة الشارع ومن جهة المُجرَّب عليه علاجيةً كانت أم علميةً تختلف عن التَّداوي بما هو مستقر؛ أمّا التَّجرِبة العلاجية فلا يلجأ إليها الطَّبيب إلا إذا لم تُجد الوسائل المعروفة في علاج المريض، وخشيَ عليه الهلاك، أو زيادة المرض وتطوره، وغلب على ظنِّه نجاح الوسيلة التي يُريد تجرِبتها لعلاج المرض أو تخفيفه، والقول بتضمين الطَّبيب أو عاقلته يؤدي إلى امتناعه عن الاجتهاد في إنقاذ المرضى الذين لا يُعرف لهم علاج، أو لم يستقر لهم في العُرف الطبي علاج.
وأمّا التَّجرِبة العلمية فإنها لا تُجرَى إلا بعد موافقة الجهات الرّقابية وتحت نظرها، والقول بتضمين الطَّبيب أو عاقلته يؤدي إلى امتناعه عن البحث العلمي للتّعرُّف على الأمراض، وطرق الوقاية منها، واكتشاف الأدوية المناسبة لها.
وإيجاب الضَّمان في الحالين في بيت المال يؤدي إلى تشجيع الأطباء على إنقاذ النفوس المعصومة، وتطوير الطِّب.
إذا تقرّر هذا، فيُشترط لإيجاب الضَّمان في بيت المال الشروط التَّالية:
١- ألا يثبُت تعمُّد الطَّبيب، وإلا وجب الضَّمان عليه والقصاص.
٢- ألا يكون هناك من يصلح لإيجاب الضَّمان عليه ممن يُنسبُ خطأ الطَّبيب إليه.
٣- أن يحدث الخطأ أثناء قيام الطَّبيب بالتَّجرِبة المستوفية شروط الإباحة.
ثالثاً: التعزير.
العقوبات التَّعزيرية كثيرة متنوعة، وهي خاضعة لنظرِ الحاكمِ المصلحيّ في حُكمه ومآل حكمه ومحكوميه؛ لِتُحقِّق العقوبة ما شُرِعت له، من ردع الجاني وزجره عن معاودة الوقوع في المحذور، وردع غيره من أن يقع فيه، وعلى الإمام مراعاة الترتيب والتدريج اللائق بالحال في القدر والنوع، كما يُراعيه في دفع الصائل، فلا يَرقَى إلى مرتبةٍ وهو يرى ما دونها كافياً.
وقد نصّ الفقهاء على عددٍ من العقوبات التعزيرية لمن تعاطى عِلم الطِّب ولم تكمُل له الأهلية فيه؛ صيانةً لأرواح الناس وأجسادهم، فإن أكثر ما يُؤتى الطَّبيب من عدم فهمه حقيقة المرض… وجلوسه للتطبب قبل استكمال الأهلية.
ومن هذه العقوبات:
١- الحجرُ على الطَّبيب الجاهل، وقد نصّ على ذلك الإمام أبو حنيفة مع أنه لا يُجيز الحجر على الحر العاقل البالغ؛ لأن الطَّبيب الجاهل يتعدَّى ضرره إلى العامة، فيُزهق أرواحهم ويُفسد أجسادهم.
٢- الجلد.
٣- السِّجن.
وللحاكم أن يُعزِّر الطَّبيب بغير هذا مما يُناسب جنايته، كالتَّعزير المعنوي أو النَّفسي الذي يبدأ بالإعلام والاستدعاء إلى الجهة المسئولة قضائية كانت أم إدارية، ويمتد ليصل إلى التَّشهير بالإعلان عمّا ارتكبه من جرائم، أو التَّعزير المادي بالغُرم، أو المُصادرة، أو الإتلاف.
وقد نصّت المادة الرابعة والأربعون من نظام أخلاقيات البحث على المخلوقات الحية بالمملكة العربية السعودية على العقوبات التي يُعاقب بها كل من خالف حُكماً من أحكامه، وهي:
١- الإنذار.
٢- تعليق البحث حتى يتِمَّ تجاوز آثار المُخالفة.
٣- منع الباحث من مُمَارسة البحث الذي حدثت فيه المُخالفة.
٤- غرامة مالية لا تزيد على (٢٠٠٠٠٠) مائتي ألف ريال.
5- السجن مدة لا تزيد على ستة أشهر.
• التجارب الطبية على الإنسان (رسالة دكتوراه ـ قسم الفقه ـ كلية الشريعة) د. عبدالرحمن العثمان (473) فما بعدها.
• التعويض عن الأضرار البدنية الناتجة عن الأخطاء الطبية، د. عاشور عبدالرحمن محمد، من بحوث مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني.
• قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 142، 15/8 في دورته الخامسة عشرة بمسقط عام 1425هـ