اعتداء دولة مسلمة على دولة مسلمة أخرى
مسألة رقم 209
قد تعتدي بعض الدول الإسلامية على دولة أخرى، فما حكم هذا الاعتداء؟
إذا اعتدت دولة مسلمة على دولة مسلمة أخرى، وأرادت أن تحتلها، فإن هذا لا يُتَصوَّر أن يتم إلا بقتال من الطائفتين: الدَّوْلة المعتدية، والدولة المعتدى عليها، ويكون حينئذ داخلاً في قتال الفتنة، غير أن الفتنة هنا جهة الاعتداء فيها معلومة، وليس الأمر فيها كما لو كان في حال تقاتلِ طائفتين داخلَ بلدٍ واحدٍ، وكان لكل منهما شبهتُه ودليلُه، فحينئذ يختلف الحكم، ويسعى المسلمون لمعرفة المحِقِّ من المبطل.
أما في حال اعتداء دولة على أخرى، فإن الدَّوْلة المعتدية هي الظالمة الباغية مهما برَّروا صنيعهم هذا، وأقاموا على ذلك الأدلة والبراهين، وهي جريمةٌ بكل المقاييس الشرعية والقانونية والدولية، وهو عمل يَنُمُّ عن إدارةِ وتوجهاتِ دولةٍ، لا تعرف عن الإسلام شيئا، فيها من الجرأة على دين الله، وعلى حرمات المسلمين ما يوجب مقاضاتها بأعظم الأقضية، وهو عمل محرم يستلزم قتلَ النفسِ بغير حقٍّ لا محالة؛ إذ قلما يخلو هذا النوعُ من العدوان من مقاومةٍ من أهل الدَّوْلة المعتدى عليها – وهي حينئذٍ مقاومةٌ مشروعةٌ واجبةٌ لصدِّ هذا العدوان- فلا يخلو الحال من قتل المسلمين بغير حق، وهي جناية عظيمة قام من أدلة الشريعة الإسلامية ما يدل على شناعتها وتحريمها الكثيرُ، ومن ذلك الآتي:
قال الله عز وجل: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [الفرقان: 68].
وقال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151].
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ..» الحديث [رواه البخاري (6675)].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، عرضه وماله ودمه». [رواه البخاري (2442)، مسلم (2580)].
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا». [رواه مسلم (101)].
وعَنْه رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «وَيْحَكُمْ، أَوْ قَالَ: وَيْلَكُمْ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» [رواه البخاري (121)، مسلم (65)].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رجلاً أتاه فقال: أرأيتَ رجلاً قتل رجلاً متعمداً؟ قال: جزاؤه جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه ولعنه، وأعدّ له عذاباً عظيماً، قال: أُنزِلتْ في آخر ما نزل، ما نسخها شيءٌ حتى قُبضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، قال: أرأيتَ إنْ تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟ قال: وأنى له التوبة، وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثكلتْهُ أُمه، رجلٌ قتلَ رجلاً متعمداً، يجيء يومَ القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره، وآخذاً رأسه بيمينه أو شماله، تشخبُ أوداجُه دماً في قبل العرش يقول: يا ربِّ، سَلْ عبدك فيم قتلني؟». [رواه أحمد 4/14].
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ». [رواه الترمذي (1395)].
فهذه النصوص في القرآن والسنة تعظم الجناية على نفس المسلم، وأن من قدم على هذا الفعل الشنيع عرَّض نفسَه لغضب الله ولعنته، وشديد انتقامه في الدنيا والآخرة، وأن من فعل هذا واشك على الكفر، والخروج من الملة.
بل إن أمر دماء المسلمين في الشريعة معظَّم جدا، يسد الشارع كل طريق يوصل إليه، فلم يقف الأمر إلى حدِّ التحذير من قتل النفس بغير حق، بل قد حذَّر الشارع من مجرد إشارة المسلم بالسلاح إلى أخيه المسلم، ومن مجرَّد مرور المسلم في أسواق المسلمين وفي مساجدهم، وفي يده نبل أو سلاح غير مغطى؛ خشية الوقوع فيهم.
• الوطن والاستيطان (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) د. محمد الدالي (367- 373).
• مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ ابن باز (6/92).