قسم العباداتباب الحج

اعتبار جدة ميقاتاً

مسألة رقم 139

صورة المسألة

إن النسبة العظمى من حجاج بيت الله الحرام في هذا الزمان يأتون إلى مكة عن طريق الجو أو البحر، ويكون أول نزولههم عن طريق مطار جدة أو موانئها، فهل يمكن أن تكون جدة ميقاتاً لهؤلاء القادمين بطريق الجو والبحر أم يلزمهم الإحرام من محاذاة مواقيتهم الأصلية؟

حكم المسألة

اختلف العلماء المتقدمون والمعاصرون في اعتبار جدة ميقاتاً مكانياً للقادمين إليها عن طريق الجو والبحر على قولين:

القول الأول: لا تعتبر جدة ميقاتاً مكانياً, ولا يجوز الإحرام منها إلا لأهلها, ومن أنشأ النية منها, وهو قول كثير من أهل العلم, وصدر به قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1402هـ. وقرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثالثة سنة 1408هـ. وهو قرار هيئة كبار العلماء في المملكة, وفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء, وهو قول ابن باز، وابن عثيمين مع استثناء القادم من سواكن من بلاد السودان ونحوها؛ لأنهم لا يمرون بميقات ولا يحاذونه، فيحرمون من جدة لأنها تبعد عن مكة مرحلتين وهي أقرب مسافة بين مكة والمواقيت، واستدل لهذا القول بأدلة, منها:

الدليل الأول: ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: (وقت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة, ولأهل الشام الجحفة.. . فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة, فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها). [البخاري (1454), مسلم (1182)].

وجه الاستدلال: أن الإحرام من هذه المواقيت واجب, وتجاوزها محرم, وقد دلَّ الحديث على الوجوب من أوجه:

الأول: قوله (وقت) معناه أنه لا يجوز تجاوز هذه المواضع لمن أراد الحج والعمرة إلا محرماً.

الثاني: أن في قوله: (ولمن أتى عليهم من غير أهلهن) تأكيدا على تحريم تجاوزهن بغير إحرام, حتى ممن كان من غير أهلهن, مع علمه ﷺ بحاجة الناس وسلوكهم طريق البحر بالسفن في وقته.

الثالث: قوله: (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ) أن من كان دون هذه المواقيت فلا يحق له أن يجاوز مكانه الذي أنشأ فيه النية بلا إحرام, فكيف بمن هو قبل المواقيت.

 

الدليل الثاني: قوله ﷺ : (إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه, وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، [البخاري (6858), مسلم (337)].

وجه الاستدلال: أن من أحرم من جدة قد خالف الحديث؛ حيث وقع فيما نهي عنه من مجاوزة المواقيت, ولم يأت بما أمر به، لأنه قادر على الإحرام من الطائرة إذا حاذت الميقات.

 

الدليل الثالث: أن المسافة بين مكة وجدة أقل من المسافة بين سائر المواقيت؛ فلا يجوز الإحرام منها؛ لأن الإحرام إما أن يكون من الميقات أو إذا حاذى حدوده, وهو أن تكون المسافة بينه وبين مكة نفس المسافة التي بين ميقاته ومكة؛ كالقادم من الشام إما أن يحرم من الجحفة أو إذا بقي بينه وبين مكة بقدر ما بين الجحفة ومكة.

 

القول الثاني: تعتبر جدة ميقاتاً مكانياً لمن وصل إليها بطريق الجو أو البحر؛ أياً كانت جهة قدومه فله تأخير الإحرام حتى يصل إليها, وهو قول جماعة من المعاصرين, منهم: عبدالله بن زيد آل محمود, ومصطفى الزرقا.

واستدل لهذا القول بأدلة, منها:

الدليل الأول: ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: (وقت النبي ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة.. …) الحديث.

وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ عين المواقيت المذكورة؛ لأنها كانت على طريق الحجاج القادمين من جهات شتى, وحاجة تعيين ميقات جدة للقادمين بالطائرات والسفن قائمة, ولو كان الرسول ﷺ حيا ورأى كثرة النازلين في جدة لبادر إلى تعيين جدة ميقاتاً لأنها طريق للحجاج كالمواقيت الأخرى.

 

الدليل الثاني: ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال: (لما فتح هذان المصران (الكوفة والبصرة) أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله ﷺ حدَّ لأهل نجد قرناً, وهو جور عن طريقنا, وإنّا إن أردنا قرناً شق علينا, قال: فانظروا حذوها من طريقكم, فحد لهم ذات عرق)، [البخاري (1458)].

وجه الاستدلال: أن عمر لما رأى حاجة أهل العراق, ومشقة ذهابهم إلى قرن المنازل عيَّن لهم ذات عرق, وكذلك الآن جدة صارت طريقاً لركاب الجو والبحر, وما سواها فيه مشقة عليهم, فيحتاجون إلى تعيين ميقات أرضي لإحرامهم, كما احتاج الناس في زمن عمر.

 

الدليل الثالث: أن الإحرام من جدة فيه دفع للمشقة الحاصلة من الإحرام في الطائرة, والمشقة مدفوعة بالشرع لقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185], وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ) [الحج: 78].

وقوله ﷺ : (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا) [البخاري (39)].

المراجع

1. رسالة جواز الإحرام من جدة، عبدالله آل محمود ص(5).
2. فتاوى ابن باز (17/35).
3. فتاوى ابن عثيمين (12/282).
4. فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (11/127).
5. قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ص(88).
6. مجلة البحوث الإسلامية عدد: 6 ص(382).
7. مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدورة الثالثة (3/1422, 1649).
8. مجموعة رسائل عبدالله آل محمود ص(183).
9. النوازل في الحج للشلعان ص(116).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى