قسم الفقه الطّبيباب الاستنساخ

استنساخ الإنسان

المسألة رقم 9

صورة المسألة

أعلن كل من د. ستيلمان، ود. هول أنهما قاما في سنة 1993م، باستنساخ الأجنة البشرية، باستخدام الخلايا الجنينية الناشئة عن بويضة مخصبة، ليتكون من كل خلية جنين مستقل، إلا أن هذه الأجنة توقفت عن النمو بعد اليوم السادس، ولم يكتب لها البقاء.
وادعت طبيبة بلجيكية تدعى مارتين نيجس أنها استنسخت طفلًا، وهو يعيش مع والديه في بروكسل، إلا أن زميلًا لها كذَّب مدعاها، مما اضطرها إلى التحفظ على ما صرحت به.

حكم المسألة

أولا:الاستنساخ الجنسي (الجنيني) في الإنسان:

اختلف العلماء في حكم الاستنساخ الجنسي (الجنيني) في الإنسان، على مذهبين:

المذهب الأول: حرمة إجراء هذا النوع من الاستنساخ في الإنسان مطلقًا، وذهب إلى هذا عدد من العلماء، كما ذهب إليه المجتمعون في المؤتمر العاشر لمجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد بجدة، في المدة من 28/6 ‏إلى 3/7/1997م، وهو ما انتهى إليه أكثر المجتمعين في الندوة الفقهية الطبية التاسعة، المنعقدة بالدار البيضاء، في المدة من 14 ‏إلى 17/6‏/1997م.

‏المذهب الثاني:إباحة إجراء الاستنساخ الجنيني في الإنسان، وقيده بعضهم بقيود الإخصاب الصناعي الخارجي وذلك بعدم حصول الضرر على المرأة من زيادة الأجنة، أو حصول الضرر للخلية المستنسخة أو للأجنة الأخرى، وإلا منع، وممن أباحه بعض المجتمعين في الندوة الفقهية الطبية التاسعة، المنعقدة بالدار البيضاء في المدة من 14 ‏إلى 17/6/1997م، والمجتمعون في ندوة قضايا طبية معاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية، المنعقدة بعمان، الأردن، في سنة 2000م، وقد جاء في قرار هذه الندوة: “فصل الخلايا عن البويضة الملقحة بعد الانقسام الأول أو الثاني أو الثالث، أو بعد ذلك بقصد استعمالها لإحداث الحمل في فترة الزوجية جائز شرعًا، وتحكمه القواعد ذاتها، التي تحكم التلقيح الصناعي الخارجي”.

 

الأدلة:

أدلة المذهب الأول القائل بالتحريم:

  1. إن الاستنساخ مطلقًا -ومنه الاستنساخ الجنيني- لا فائدة منه، فضلاً عن مساسه بكرامة الإنسان ومكانته، والغاية التي خلق من أجلها، واعتدائه على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه.
  2. ‏إن الاستنساخ يؤدي إلى خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر، والعصف بأسس القرابات والأنساب، وصلة الأرحام، والهياكل الأسرية المتعارف عليها، على مدى التاريخ الإنساني، في ظلال شرع الله تعالى، وعلى أسس وطيدة من أحكامه.
  3. ‏إنه يترتب عليه اختلاط الأنساب، واختلاط كيان المجتمع، ونشوء مشاكل اجتماعية وأسرية تضر بالبشرية، ونشوء خلل في النظام الخلقي والاجتماعي، الذي وضع الله الخلق عليه منذ بدء الخليقة.

دليل المذهب الثاني القائلبالإباحة: بأن هذا النوع من الاستنساخ يترتب عليه تكثير الجنين الموجود في رحم المرأة، بعملية طبيعية لإنجاب التوائم، والدين الإسلامي يحث على التناسل وكثرة النسل، فكان الاستنساخ الجنيني مباحًا.

 

‏ثانيا: الاستنساخ غير الجنسي (الجيني) في الإنسان:

اتفقت آراء علماء المسلمين على تحريم هذا النوع من الاستنساخ، وانتهت الندوات والمؤتمرات الفقهية الطبية التي انعقدت في العالم الإسلامي إلى تحريمه في جميع الظروف والأحوال، ومن هذه الندوات والمؤتمرات ما يلي:

  1. ‏مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي، في دورته العاشرة المنعقدة بجدة في المدة من 28/6 ‏إلى 3/7/1997م.
  2. ‏الندوة الفقهية الطبية التاسعة، المنعقدة بالدار البيضاء، في المدة من 14 إلى 17/6/1997م.
  3. ‏ندوة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل، التي نظمتها جامعة دولة الإمارات العربية، بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، والمنعقدة بالإمارات في المدة من 20 ‏إلى 22/12/1997م.
  4. ‏ندوة قضايا طبية معاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية، التي عقدتها جمعية العلوم الطبية الإسلامية، المنبثقة من نقابة أطباء الأردن، والتي انعقدت بعمان في سنة 1992م.
  5. ‏ندوة استنساخ البشر وتداعياته، المنعقدة برعاية نقابة الأطباء المصرية في 16/3/1997م.
  6. ‏ندوة الاستنساخ البيولوجي بين الرفض والقبول، المنعقدة برعاية كلية العلوم بجامعة الكويت في 23‏/3/1997م.

وتعليلات العلماء للقول بحرمة إجراء هذا الاستنساخ كثيرة، منها ما يلي:

  1. أن هذا النوع من الاستنساخ عدوان على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه.
  2. ‏أنه يؤدي إلى الإخلال بالهيكل الاجتماعي المستقر، ويعصف بأسس القرابات والأنساب، وصلات الأرحام، والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني، كما اعتمدتها الشريعة وسائر الأديان، أساسًا للعلائق بين الأفراد والعائلات والمجتمع كله، بما في ذلك من انعكاسات على أحكام القرابات والزواج، والمواريث والحضانة والولاية، وغيرها من الأحكام.
  3. أنه يهدم كيان الأسرة، بما يترتب عليه من الاستغناء عن الرجل الذي هو عمادها، وفي هدم كيان الأسرة فساد عظيم، يعود ضرره على المجتمع بأسره.
  4. ‏أن فيه شغلًا لرحم المرأة بخلية مخصبة من غير نطفة زوجها، وهذا محرم، إذ الخلية المغروسة في البويضة هي نتاج بويضة الأمِّ التي أخذت منها الخلية المخصبة بنطفة أبيه، ولا يجوز شغل رحم المرأة بخلايا لم تتكون من بويضتها المخصبة بنطفة زوجها.
  5. أن في هذا الاستنساخ إخلالًا بالتوازن البشري في الطبيعة، إذ الخلية المغروسة في بويضة المرأة إن أخذت من ذكر، كان الناتج عنها ذكرًا، وإن أخذت من أنثى كان الناتج أنثى، ومثل هذا يترتب عليه زيادة أحد النوعين عن الآخر، وفي ذلك فساد عظيم.
  6. ‏أنه مخالف للفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها، من تحقق النسل باجتماع رجل وامرأة، والذي دلت عليه آيات كثيرة، يعد هذا الاستنساخ منافيًا لها، منها قول الله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) ، فهذه الآية وغيرها دالة على أن سنة الله تعالى في خلقه جرت على خلق الذرية من ذكر وأنثى بينهما تزاوج، وأما الاستنساخ الجيني فليس فيه مثل ذلك، إذ يمكن تحقق الإنجاب بدون هذا التزاوج، وفي هذا منافاة لسنة الله في خلقه.

ثالثا: الاستنساخ العذري في الإنسان:

في هذا النوع من الاستنساخ، يتم تحفيز بويضة الأنثى غير المخصبة بنطفة ذكرية، بالصدمات الحرارية، أو بالتيار الكهربائي، أو بالوخز بالإبرة، أو بزيادة تركيز الأيونات المعدنية، أو غيرها، لدفعها على الانقسام الخلوي، وتكوين الجنين.

ومعنى هذا أنه يتم -إن أمكن تصور وقوعه في جانب البشر- بدون حاجة إلى ذكر تتلقح بنطفته هذه البويضة، ومن ثم فإنه يأخذ حكم الاستنساخ الجيني، لأنه يمكن إجراؤه باستنساخ خلية من أنثى، دون حاجة إلى رجل، ولهذا فإن المحاذير الواردة في الاستنساخ الجيني ترد في هذا النوع من الاستنساخ كذلك، ولهذا فإن الحكم فيه كالحكم في سابقه، لما سبق ذكره من وجوه الضرر فيه.

المراجع

1. فقه القضايا الطبية المعاصرة، د. علي محيي الدين القره داغي، والدكتور علي المحمدي.
2. أبحاث اجتهادية في الفقه الطبي، د. محمد سليمان الأشقر، ط.1 1422، دار الرسالة- بيروت.
3. الاستنساخ في ضوء الأصول والقواعد الأصولية والمقاصد الشرعية، د. نور الدين مختار الخادمي، ط.1 1422هـ، دار الزاحم للنشر، الرياض.
4. الاستنساخ بين العلم والدين: د. عبد الهادي مصباح، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
5. الاستنساخ جدل العلم والدين والأخلاق، ويشتمل على بحث (بيولوجيا الاستنساخ) د. هاني رزق، دار الفكر المعاصر، بيروت.
6. أعمال ندوة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل، التي نظمتها رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع جامعة الإمارات العربية المتحدة في 20-22/12/1997م.
8. الاستنساخ في نظر الإسلام، بحث علمي،د. عبدالفتاح محمود إدريس، منشور ضمن مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
9. الانعكاسات الأخلاقية للأبحاث المتقدمة في علم الوراثة: أعمال ندوة نظمت من طرف ‏المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالاشتراك مع جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، وبتعاون مع كلية العلوم جامعة قطر.
10. قرارات مجمع الفقه الإسلامي بمكة في دورة مؤتمره العاشر سنة 1997م، وندوة الاستنساخ والهندسة الوراثية المنعقدة برعاية جمعية العلوم الطبية الإسلامية بعمان، الأردن، سنة 2000م.
11. مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، العدد العاشر، ج 3، 1418.
12. قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورات 1-10.
13. أعمال ندوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، والمنعقدة في الدار البيضاء (الجزء الثاني) 8-11 /2/ 1418.
14. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للشيخ عبد العزيز بن باز، ج30.
15. الاستنساخ، د. إياد أحمد ابراهيم، بحث منشور ضمن كتاب بحوث مستجدات طبية معاصرة من منظور فقهي، مكتبة الرشد –الرياض.
16. الاستنساخ من الزوجين والأحكام التي تترتب على ذلك، د. عبد الستار أبو غدة.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى