قسم الفقه الطّبيباب الاستنساخ

استنساخ الأعضاء البشرية

المسألة رقم 10

صورة المسألة

نفى كثير من العلماء إمكان استنساخ الأعضاء البشرية في الوقت الحاضر، وعلل بعضهم عدم إمكان ذلك، بالطبيعة المعقدة لبنية الأعضاء البشرية، فضلاً عن خضوع تكون الأعضاء في الأجنة البشرية لعوامل وراثية، هي المسؤولة عن تكونها في الجنين، وقال بعضهم: إن نواة خلية عضو، كالكبد مثلًا، إذا زرعت في بويضة مفرغة من جيناتها، فإنّها ستنتج مستنسخًا كاملًا، أي جنينًا، ولن تنتج كبدًا.
‏وأكد بعض العلماء إمكان استنساخ هذه الأعضاء، إذ يمكن استنساخ الجلد البشري، باستنبات أنسجته، كما يمكن استنبات أجزاء المبايض والخصي البشرية مخبريًا، بحيث يمكن الحصول منها على بويضات ونطف، وقال بعضهم: إن متابعة أبحاث الاستنساخ قد تؤدي إلى إحداث ذلك في المستقبل القريب.
إن العمليات التي يمكن تصور إجرائها لاستنساخ الأعضاء البشرية، وفقًا لما قاله بعض العلماء، يمكن إبرازها فيما يلي:
1. ‏استزراع بعض الجينات الخاصة بالأعضاء البشرية، في الأغنام أو غيرها من سائر الحيوانات، في أثناء تكوينها الجنيني، بحيث تنتج هذه الحيوانات أعضاء يمكن نقلها إلى الإنسان.
2. استنساخ الخلايا الجنينية، واستخدامها كخلايا جذعية، قابلة للتطور إلى أي نوع من الخلايا في الجسم، حيث يصعب تمييزها، أو مهاجمة الجهاز المناعي لها، لتستخدم في علاج تلف المخ والجهاز العصبي.
3. ‏استنساخ الجلد البشري معمليًا، باستنبات أنسجته دون أعصابه وشرايينه، واستنباتأجزاء من المبيض والخصية مخبريًا، للحصول منهما على خلايا جنسية.
‏وبالرغم من هذه التصورات، فإن بعض العلماء يرى استبعاد حدوث مثل هذا النوع من الاستنساخ، لما يكتنفه من صعوبات عدة، يتعلق أكثرها بالطبيعة المعقدة للأعضاء البشرية.

حكم المسألة

سواء كان استنساخ الأعضاء البشرية، مما يمكن تحققه الآن أو مستقبلًا، فليس ثمة ما يمنع شرعًا من استخدام التقنية التي يتحقق بها ذلك، وذلك خير من الاعتداء على أجسام الآدميين الأحياء لغرض الزرع، خاصة وأن استنساخ العضو من خلايا صاحبه يكون أدعى لقبول الجسم له وعدم رفضه، ولا يكون في حاجة إلى تناول مثبطات جهاز المناعة، ولا تعريض نفسه أو نفس غيره إلى الهلاك.

واستنساخ الأعضاء إن أمكن تحققه، يعد وسيلة من وسائل علاج الجسم البشري، وقد رغب الشارع في التداوي من الأمراض، وإذا كان التداوي مطلوبًا شرعًا، فإن اتخاذ الوسائل التي يتحقق بها ذلك -ومنها استنساخ الأعضاء البشرية- يكون مطلوبًا شرعًا، لأن للوسائل حكم غاياتها.

وهذا الجواز قال به كثير من العلماء، ومن هؤلاء: بعض أعضاء الندوة الفقهية الطبية التاسعة المنعقدة بالدار البيضاء، في المدة من 14 ‏إلى 17/6/1997م، والأعضاء المشاركون في ندوة (قضايا طبية معاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية) المنعقدة بعمان، الأردن عام 2000م.

 

وقد وضع المشاركون في هذه الندوة مجموعة من الضوابط لإجراء استنساخ الأعضاء البشرية، كما يلي:

  1. أن يكون استعمال تقنية الاستنساخ والهندسة الوراثية، لإدخال مادة وراثية بشرية في بويضة خلية تناسلية حيوانية، لإنتاج أعضاء تستخدم في زراعة الأعضاء البشرية، وفق أحكام نقل الأعضاء وزراعتها، التي أقرتها المجامع الفقهية.
  2. يمكن استخدام طريقة لإنتاج الأعضاء البشرية في المختبر لغرض الزرع، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى الإضرار بمن أخذت من جسمه تلك الخلايا.
  3. يجوز الإفادة من أعضاء الأجنة المجهضة المحكوم بموتها، ومن الأعضاء البشرية المستأصلة جراحيًا، كمصدر للخلايا التي تستنسخ أو تنمى لإنتاج الأعضاء البشرية، إذا روعيت في ذلك قواعد نقل الأعضاء وزراعتها.
  4. عدم جواز إنتاج أعضاء بشرية، عن طريق التخليق البشري، سواء كان هذا في داخل الرحم أو خارجه، أو التدخل في أطوار التخلق الأولى، لإبطال بعض الخلايا أو الجينات، لإنتاج أجنة لا رأس لها أو نحو ذلك، لاستخدامها في زراعة الأعضاء.

وعلل القائلون بجواز هذا النوع من الاستنساخ، لرأيهم بما يلي:

  • ‌أ- ‏إن في هذا النوع من الاستنساخ، مصلحة للإنسان، حيث يؤدي استنساخ هذه الأعضاء إلى الحد من آلام المرضى ومتاعبهم، والمصلحة في الشرع معتبرة، ومن أهم المصالح ما يتعلق بحياة الإنسان ووجوده، لأن حفظ النفس من الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة للحفاظ عليها.
  • ‌ب- ‏إن استنساخ الأعضاء لا يمس كرامة الإنسان، إذ إن هذه الأعضاء يمكن أخذها من حيوانات مستنسخة، أو مهندسة وراثيًا، أو من خلايا إنسانية جسدية، دون أن تنمو هذه الخلايا، لتكون أجنة أو بشرًا، بل لتكون أعضاء بشرية عن طريق تكثير هذه الخلايا.
المراجع

1. فقه القضايا الطبية المعاصرة، د. علي محيي الدين القره داغي، ود. علي المحمدي.
2. الاستنساخ في ضوء الأصول والقواعد الأصولية والمقاصد الشرعية، د. نور الدين مختار الخادمي، ط.1 1422هـ، دار الزاحم للنشر، الرياض.
3. الاستنساخ بين العلم والدين، د. عبد الهادي مصباح، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
4. الاستنساخ جدل العلم والدين والأخلاق، ويشتمل على بحث (بيولوجيا الاستنساخ) د. هاني رزق، دار الفكر المعاصر، بيروت.
5. أعمال ندوة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل، التي نظمتها رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع جامعة الإمارات العربية المتحدة في 20-22/12/1997م، وفيها: الاستنساخ للدكتور جاسم الشامي، وحكم الاستنساخ في الشريعة للدكتور عبد الحق حميش.
6. الاستنساخ في نظر الإسلام، بحث علمي،د. عبدالفتاح محمود إدريس، منشور ضمن مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
7. الانعكاسات الأخلاقية للأبحاث المتقدمة في علم الوراثة: أعمال ندوة نظمت من طرف ‏المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالاشتراك مع جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، وبتعاون مع كلية العلوم جامعة قطر.
8. قرارات مجمع الفقه الإسلامي بمكة في دورة مؤتمره العاشر سنة 1997م، وندوة الاستنساخ والهندسة الوراثية المنعقدة برعاية جمعية العلوم الطبية الإسلامية بعمان، الأردن، سنة 2000م.
9. مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، العدد العاشر، ج 3، 1418هـ.
10. قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورات 1-10.
11. أعمال ندوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، والمنعقدة في الدار البيضاء (الجزء الثاني) 8-11 /2/ 1418هـ.
12. الاستنساخ، د. إياد أحمد ابراهيم، بحث منشور ضمن بحوث مستجدات طبية معاصرة من منظور فقهي، مكتبة الرشد –الرياض.
قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي بالهند:الندوات 1-19، القرارات 1-84، ط.12. قرار رقم 44(4/10)،

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى