• استلحاق مقطوع النسب.
• إثبات نسب ولد الزنى.
• إثبات نسب ولد الزنى بالاستلحاق.
الزنى محرم في جميع الشرائع السماوية ولكنه موجود وواقع قديماً وحديثاً، ونظراً لأنه في وقتنا الحاضر أصبح أكثر شيوعاً خاصة في المجتمعات غير الإسلامية، بل أصبح مقنناً في بعض المجتمعات برزت مشكلة كبيرة في نسب الأولاد الناتجين عن الزنى، وخاصة عند المسلمين الجدد، حيث يكون لأحدهم خليلة أو أكثر قبل إسلامه وتلد منه ثم بعد إسلامه أو إسلامهما يريد أن يستلحق هذا الولد الناتج من الزنى إليه فهل يسوغ هذا الاستلحاق وإثبات انتساب الولد للزاني؟
وكذا لو وقع الزنى من مسلم فاستلحق الولد الذي خلق من مائه الحرام، فهل يلحق به كما يلحق به ولده من النكاح؟
لا يخلو حال المزني بها من أن تكون فراشاً لزوج أو سيد أو لا تكون.
الحالة الأولى: إذا كانت المزني بها فراشاً لزوج أو سيد وولدت لستة أشهر فأكثر ولم ينفه صاحب الفراش، فحينئذ يحرم استلحاق الزاني لولد المزني بها بالإجماع([1])، وينسب الولد لصاحب الفراش لحديث: “الولد للفراش وللعاهر الحجر” البخاري (2053) مسلم (1457).
الحالة الثانية: إذا لم تكن المزني بها فراشاً لزوج أو سيد واستلحق الزاني ولد المزني بها فهل يلحق به؟
اختلف الفقهاء – رحمهم الله – قديماً وحديثاً في نسب ولد الزنى عند وجود الدعوى من الزاني مع عدم وجود الفراش على قولين:
القول الأول: أن ولد الزنى لا يلحق بالزاني إذا استلحقه، وإنما ينسب إلى أمه.
وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والمذهب عند الحنابلة([2]) وحكي اتفاقاً([3])، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وعليه فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ ابن باز– رحمهم الله –.
أدلة القول الأول: استدل القائلون بعدم الاستلحاق بأدلة كثيرة ومن أبرزها:
1) قول النبي ﷺ : “الولد للفراش،وللعاهر الحجر” (البخاري 2053، مسلم 1457).
وجه الدلالة: أن النبي ﷺ حصر ثبوت النسب في الفراش، ولم يجعل ولداً لغير الفراش فلم يلحق الولد بالزاني.
المناقشة: أن الحديث فيما إذا كانت المزني بها فراشاً فهو خارج عن محل النزاع فالحديث في سياق الفصل في نزاع وخصومة بين طرفين مع وجود فراش يتنازع حوله.
وأجيب: بأن الشارع جعل لإثبات النسب طرقاً، وليس الزنى واحداً منها.
2) حديث ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ : “لا مساعاة في الإسلام، من ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته، ومن ادعى ولداً من غير رشدة فلا يرث ولا يورث”. [مسند أحمد (3416)، سنن أبي داود (2264)، البيهق4ي (12283)، وفي إسناده رجل مجهول (زاد المعاد 5/382)].
وجه الدلالة: أن الشارع أبطل المساعاة، وهي الزنى، ولم يلحق النسب بها، وعفا عما كان منها في الجاهلية ممن ألحق بها.
نوقش:
– أن الحديث ضعيف.
– على فرض صحته فيحمل على من ولد في فراش زوج أو سيد فيكون خارجاً عن محل النزاع.
3) حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قضى: “أيما مستلحق استُلحق بعد أبيه الذي يُدعى له ادعاه ورثته قضى: إن كان من حرة تزوجها أو من أمة يملكها فقد لحق بما استلحقه، وإن كان من حرة أو أمة عاهر بها: لم يلحق بما استلحقه،وإن كان أبوه الذي يُدعى له هو ادعاه وهو ابن زِنْيةٍ لأهل أمة من كانوا حرة أو أمة”. [رواه أحمد (6660)، وأبو داود (2265)، وابن ماجه (2746).
والحديث حسنه البوصيري في مصباح الزجاجة (976)، والشيخ الألباني في الجامع الصغير (8678)، ومحققو المسند (669) وقال إسناده صحيح (6699)].
وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن من استلحق ولداً من الزنى لم يلحق به، وإنما ينسب لأمه.
قال ابن القيم([4]): “إن ثبت هذا الحديث تعين القول بموجبه، والمصير إليه”.
نوقش: أن الحديث مداره على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهذه سلسلة اختلف المحدثون فيها كثيراً، وهو وإن كان الأرجح تحسين حديثه إن كان الراوي عنه ثقة إلا أن تفرده بمثل هذا الحديث الذي يعد أصلاً في بابه يدعو للتوقف في قبول روايته.
4) أن الشرع جاء بحفظ النسب وصيانته،وجعل لإثباته طرقاً منها عقد النكاح الصحيح، فلا يسوى بين النكاح والسفاح، فماء الزنى هدر لا حرمة له ولا يترتب عليه أثر.
5) أن الزنى قد وقع في العصور المتقدمة، ورجم الزناة، ولم يبلغنا عن أحد من المسلمين أنه قضى مع ذلك بإثبات نسب المولود للزاني! فعلينا العمل بما جرى عليه عمل المسلمين عبر العصور.
القول الثاني: أن ولد الزنى يلحق بالزاني إذا استلحقه ولم تكن أمه فراشاً.
وإليه ذهب الحسن البصري وابن سيرين وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وإبراهيم النخعي وإسحاق بن راهوية([5])،وروي عن أبي حنيفة أنه قال: “لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولد له”، وهو قول عند الحنابلة نسب اختياراً لشيخ الإسلام ابن تيمية واختاره تلميذه ابن القيم – رحم الله الجميع –([6]).
واختار هذا من المعاصرين: الشيخ محمد رشيد رضا([7])، والشيخ ابن عثيمين([8])، ورجحه بعض الباحثين المعاصرين.
أدلة القول الثاني:
1) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يُليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام. [(موطأ مالك 2889)، البيهقي في الكبرى(21263)].
وجه الدلالة: أن الخليفة الراشد رضي الله عنه كان يلحق ولد الزنى بمن ادعاه وإن كانوا لزنية.
نوقش: أن هذا خاص بأهل الجاهلية، فلا يلحق بهم غيرهم ممن ولد بعد أن أحكم الله شريعته، وحرم الزنى تحريماً قاطعاً.
أجيب: بأن عمر رضي الله عنه إنما ألحقهم بآبائهم من الزنى في الإسلام بعد أن أحكم الله شريعته وحرم الزنى،ولو كان إلحاق ولد الزنى بأبيه لا يصح لما فعله عمر رضي الله عنه .
2) ما جاء في قصة جريج العابد، لما قال للغلام الذي زنت أمه بالراعي: (قال: من أبوك؟ قال: الراعي..). [متفق عليه (البخاري 1148، مسلم 2250)].
وجه الدلالة: أن جريجاً نسب ابن الزنى للزاني، وقد صدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق الصبي بالشهادة له بذلك، وأخبر النبي ﷺ بهذا فثبتت النبوة وأحكامها.
نوقش: بأن المراد بالسؤال: السؤال عن المتسبب في الوجود، لا عن الأب الشرعي، ثم إن هذا شرع من قبلنا.
3) ما جاء في ملاعنة هلال بن أمية وفيه: “إن جاءت به على صفة كذا وكذا فهو للذي رميت به، أو على صفة كذا وكذا فهو لزوجها، وفي رواية فهو لهلال بن أمية، فجاءت به على الوصف المكروه، فقال رسول الله ﷺ :لولا الأيمان لكان لي ولها شأن”. [البخاري (5003)].
وجه الدلالة: قوله: “فهو للذي رميت به” دل على أنها إن جاءت به على الوصف المكروه فهو ابن للزاني؛ لأنه خلق من مائه، فدل على أن الرجل إذا استلحق ولده من الزنا وليست أمه فراشاً لغيره فإنه يلحق به، لأنه خلق من مائه فهو له.
4) أن هذا الولد متولد من ماء الزاني، فهو ابنه قدراً وكوناً، ولا يوجد دليل صريح يمنع من إلحاق نسبه به.
5) القياس، فيقاس الأب من الزنى على الأم الزانية، فإن الولد ناتج من زناهما معاً، فإذا كان الولد يلحق بأمه وينسب إليها وترثه ويرثها، ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه، فيأخذ الأب الحكم نفسه؛ لأنه أحد الزانيين.
6) أن الشارع يتشوف لحفظ الأنساب ورعاية الأولاد، والقيام عليهم بحسن التربية والإعداد، وحمايتهم من التشرد والضياع، وفي نسبة ولد الزنى إلى أبيه تحقيق لهذه المصلحة، خصوصاً أن الولد لا ذنب له، ولو نشأ من دون أب ينسب إليه ويُعنى بتربيته والإنفاق عليه، لأدى ذلك في الغالب إلى تشرده وضياعه وانحرافه وفساده، وربما نشأ حاقداً على المجتمع، مؤذياً له بأنواع الإجرام والعدوان.
فالقول بهذا يرمم بعض آثار الزنى ويحقق العدل بعدم محاسبة الأم وحدها دون الأب، وبعدم محاسبة الولد على جريمة والديه، وفيه ترغيب في الدخول للإسلام لمن ابتلي بهذه البلية وخشي من عدم إلحاق أولاده به.
وقد بحث المجمع الفقهي الإسلامي هذه المسألة في الدورة العشرين، ولكن رأى المجمع خطورة المسألة، ورأى إرجاء إصدار قرار بشأنها .
([1]) ينظر: الاستذكار 7/171، الحاوي الكبير 8/152 – 162، المغني 8/68.
([2]) ينظر: المبسوط 17/154، بدائع الصنائع 6/243، المدونة 2/556، أسنى المطالب 3/20، المغني 6/228، المحلى 10/142.
([3]) ينظر: التمهيد 8/190 ، الاستذكار 22/168 .
([6]) واشترط الحسن البصري وابن سيري وإبراهيم النخعي أن يقام عليه الحد. ينظر: الفروع 6/625، الإنصاف 6/269، زاد المعاد 5/383.
– استلحاق مجهولي النسب/ أ.د سعد بن تركي الخثلان، الملتقى الفقهي Islamqa.info
– موقع طريق الإسلام، استلحاق الزاني ولده من الزنى، د. خالد بن عبدالله المصلح Ar.islamway.net
– فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم 11/146.
– الموقع الرسمي لسماحة الشيخ ابن باز، ولد الزنى ينسب لأمه وإن أقر به أبوه. binbaz.org.sa
– فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3408) (5236) (5554) (6480) (10663).
– فقه الأسرة عند ابن تيمية في الزواج وآثاره، رسالة دكتوراه د. محمد بن أحمد الصالح (2/759).
– النسب ومدى تأثير المستجدات العلمية في إثباته، رسالة دكتوراه، سفيان بن عمر بورقعة، كنوز أشبيليا – الرياض، ط1، 1428هـ.
– نسب ولد الزنى، الشيخ عدنان بن محمد الدقيلان، بحث منشور في مجلة العدل، عدد 22، moj.gov.sa
– أحكام ولد الزنا، إبراهيم بن عبدالله القصير، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، المكتبة الشاملة، shamela.wa
– حكم نسبة المولود إلى أبيه من المدخول بها قبل العقد، د. عبدالعزيز الفوزان. Elibrary.mediu.edu.my
– الموسوعة الشاملة www.islamport.com
– أحكام ولد الزنى في الفقه الإسلامي، أحمد عبدالمجيد حسين، إشراف د. مروان القدومي، رسالة ماجستير، قسم الفقه والتشريع بكلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين، an-najah national university scholar.najah.edu
– حكم العقد على الحامل من الزنا بمن زنا بها، د. أحمد شليبك الصويعي، جامعة قطر، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، ع31، 1434هـ/2013م، ص169 – 179.