مع التطورات التي شهدها الطب في العصر الحديث وجد جهاز طبي يدخل عبر الفم إلى البلعوم، ثم إلى المريء، ثم المعدة، ويستفاد منه إما في تصوير ما في المعدة ليعلم ما فيها من قرحة ونحوها، أو لاستخراج عينة صغيرة لفحصها، أو لغير ذلك من الأغراض الطبية، فما حكم استخدام الصائم لهذا الجهاز؟
هذه المسألة مخرجة على مسألة أخرى وهي: هل دخول أي شيء إلى المعدة يفطر به الصائم أو لابد من دخول المغذي.
وقد اختلف فيها العلماء إلى قولين.
وسبب الخلاف فيها قياس المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي، فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي. ومن رأى أنها عبادة غير معقولة، وأن المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عما يرد الجوف، سوى بين المغذي وغير المغذي.
أقوال العلماء في المسألة([1]):
القول الأول: أن من أدخل أي شيء إلى جوفه أفطر، ولو كان غير مغذ، ولا معتاد، ولو لم يتحلل، فلو بلع قطعة حديد، أو حصاة، أو نحوها مختارا أفطر.
وإليه ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والحنفية إلا أنهم اشترطوا استقراره، أي ألا يبقى طرف منه في الخارج، فإن بقي منه طرف في الخارج، أو كان متصلاً بشيء خارج فليس بمستقر.
واستدل أصحاب هذا القول بما روي أن النبي ﷺ أمر باتقاء الكحل للصائم [رواه أبو داود (2379)]، لكن قال الترمذي رحمه الله: (لا يصح عن النبي ﷺ في هذا الباب شيء)([2])، وليس في الكحل تغذية، فعلم أنه لا يشترط في الداخل أن يكون مما يغذي في العادة.
واستدلوا كذلك بما جاء عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (إنما الفطر مما دخل وليس مما خرج). [رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/261) بهذا اللفظ، وذكره البخاري معلقا بصيغة الجزم بلفظ (يفطر مما دخل وليس مما خرج) صحيح البخاري 1937)].
قالوا: ولأن الصيام هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف، وهذا لم يمسك؛ ولهذا يقال فلان يأكل الطين ويأكل الحجر.
القول الثاني: أنه لا يفطر مما دخل إلى المعدة إلا ما كان طعاماً أو شراباً أو مافي معناهما، وهو مذهب الحسن بن صالح، وبعض المالكية, واختاره أبوالعباس ابن تيمية.
واستدلوا بأن المقصود بالأكل والشرب في النصوص هو الأكل المعروف الذي اعتاد عليه الناس، دون أكل الحصاة والدرهم ونحوهما، فإن هذا لا ينصرف إليه النص، ولهذا لما أراد الخليل أن يعرف الأكل قال: الأكل معروف، وإنما جعل الشارع الطعام والشراب مفطراً لعلة التقوي والتغذي، لا لمجرد كونه واصلاً إلى الجوف، قال أبوالعباس ابن تيمية رحمه الله “الصائم نهي عن الأكل والشرب؛ لأن ذلك سبب التقوي فترك الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير الذي يجري فيه الشيطان إنما يتولد من الغذاء، لا عن حقنة ولا كحل”.
ويتخرج حكم استخدام منظار المعدة للصائم على خلاف العلماء في هذه المسألة، فعلى قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يكون إدخال المنظار للمعدة مفطرا للصائم.
أما على قول الحنفية الذين يشترطون الاستقرار أي ألا يبقى منه شيء في الخارج فإن استخدام منظار المعدة للصائم لا يفطر لأنه يتصل بالخارج كما هو معلوم.
وعلى القول الثاني وهو أنه لا يفطر مما دخل إلى المعدة إلا ما كان طعاماً أو شراباً أو مافي معناهما فإن استخدام منظار المعدة للصائم لا يفطر ويقيد أصحاب هذا القول قولهم بعدم التفطير بما إذا لم يصاحب المنظار سوائل أو مواد دهنية، فإذا صاحبه ذلك حصل التفطير للصائم بهذه المواد لا بالمنظار، وبهذا أخذ مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة التعاون الإسلامي حيث جاء في القرار رقم: 93 (1/10) بشأن المفطرات في مجال التداوي: الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: وذكر منها: منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى.
وهذا ما اختاره الشيخ محمد العثيمين رحمه الله حيث يقول: الصحيح أن إدخال منظار المعدة للصائم لا يفطر إلا أن يكون في هذا المنظار دهن أو نحوه يصل إلى المعدة بواسطة هذا المنظار فإنه يكون بذلك مفطرا، ولا يجوز استعماله في الصوم الواجب إلا للضرورة.
([1]) تبيين الحقائق (1/326)، بداية المجتهد (2/153)، المجموع (6/317)، شرح منتهى الإرادات (1/448)، الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/371).
1. أثر التداوي في الصيام، أسامة خلاوي، ص(140).
2. فقه الصيام، محمد حسن هيتو ص(77).
3. فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبدالله أبوزيد(2/1090).
4. مفطرات الصيام المعاصرة، أحمد الخليل ص(39-46).