استخدام الطفل في الاستقبالات الرسمية
مسألة رقم 208
أن يصطف الأطفال من طلاب المدارس ونحوهم على جنبتي الطريق الذي يمر به المسؤول الزائر للبلد ترحيباً به واستقبالاً له، و نحو ذلك من مظاهر الاستقبال والترحيب.
الأصل في مثل هذا النوع من الاستخدام:
1– قول أبي بكر الصديق في قصة الهجرة: “ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا في الطريق وعلى الأجاجير فاشتد الخدم والصبيان في الطريق يقولون: الله أكبر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء محمد…”.
2– عن عبد الله بن جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه إذا قدم من سفر تُلُقِّي بصبيان أهل بيته، قال: وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه قال: فأَدْخَلَنَا المدينة ثلاثة على دابة واحدة. [رواه مسلم (2428)].
فالذي يظهر من الآثار السابقة أن تلقي الأطفال للقادم من سفر أقل أحواله الجواز، بل نص بعض الفقهاء كالنووي ـ رحمه الله ـ على استحبابه حيث قال في تعليقه على حديث عبد الله بن جعفر السابق الذي بين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته: “هذه سنة مستحبة أن يَتَلَقَّى الصبيانُ المسافرَ وأن يركبهم وأن يردفهم ويلاطفهم، والله أعلم”([1]).
لكن ذلك – والله أعلم – يُحْمَلُ على الأطفال من قرابة المسافر؛ لأن الحديث الذي ورد كلام النووي في سياقه هو حديث عبد الله بن جعفر _، والدلالة فيه على ذلك من وجهين:
الوجه الأول: قول ابن جعفر في الحديث: (تلقي بصبيان أهل بيته)، وفي حديث آخر: (استقبله أغيلمة بني عبد المطلب) [رواه البخاري (5965)].
والدلالة فيهما ظاهرة.
الوجه الثاني: فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث حمل عبد الله بن جعفر بين يديه وأردف أحد ابني فاطمة رضي الله عنها خلفه، مما يؤيد أن الاستحباب في الاستقبال من الأطفال والملاطفة من القادم إنما هي للأقارب.
أما ما يمكن الاستدلال به على جواز استقبال الأطفال عموماً للقادم ذي المكانة وهو ما تُسَمَّى بعض صوره في العصر الحاضر بـ (الاستقبالات الرسمية) فمنها – بالإضافة إلى قول أبي بكر الصديق في قصة الهجرة، وحديث عبد الله بن جعفر المذكورين في صدر المسألة:
الدليل الأول: حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبله نساء وصبيان وخدم جائين من عرس من الأنصار فسلم عليهم وقال: «والله إني لأحبكم» [ رواه أحمد (12522)، السلسلة الصحيحة 7/440].
الدليل الثاني: حديث السائب بن يزيد -رضي الله عنه- قال: ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصبيان إلى ثنية الوداع. [رواه البخاري (3083)].
الدليل الثالث: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيان الأنصار يدورون حوله فيدعو لهم ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم. [مجمع الزوائد 8/37].
الدليل الرابع: حديث البراء رضي الله عنه قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي e مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي e فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله قد جاء، فما جاء حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها. [رواه البخاري (4941)].
ومن فوائد مثل هذه الاستقبالات من قبل الأطفال:
1- الاقتداء والتشبه بأطفال خير الأجيال في زمن الرسول e؛ حيث فعلوا ذلك بسيد الخلق e.
2- تنمية مشاعر الولاء والحب الصادق لولاة الأمور في نفوس الأطفال منذ الصغر.
3- تربية الأطفال على حسن الضيافة، وكرم الاستقبال، والحفاوة بالضيف، خاصة ذي المكانة.
إلا أنه مع ذلك كله ينبغي ألا يترتب على ذلك ضرر بهؤلاء الأطفال، أو تجاوز المشروع مثل:
1- التعرض للحر والشمس أو البرد بسبب طول الانتظار قبل وصول الزائر، في مكان مكشوف، وقت شدة الصيف أو الشتاء.
2- التعرض للجوع، بسبب طول الانتظار، لعدم تأمين الطعام حال الانتظار الطويل.
3- التعرض للتعب بسبب طول الوقوف.
4- التكلف الزائد في مراسم الاستقبال وكلماته وعروضه من قبل الأطفال، والخروج به من دائرة المشروع والعدل والمحبة الصادقة والخلق المحمود غير المتكلف إلى حِمَى النفاق والغلو بسبب مظاهر التشبه بالكفرة والأعاجم في تعظيمهم لكبرائهم.
• أحكام استعمال الأطفال وما يختصون به (رسالة ماجستير ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، ماهر الخوفي (418) فما بعدها.
• حقوق الطفل في الإسلام والاتفاقيات الدولية (دراسة مقارنة)، إعداد سمر خليل محمود عبد الله، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين.