قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الحدود

اختطاف الطائرات.

مسألة رقم 227

العناوين المرادفة

1. تفجير الطائرات.
2. خطف وتفجير الطائرات المدنية.

صورة المسألة

ظهرت في نهاية ستينيات القرن المنصرم ظاهرة اختطاف الطائرات المدنية وتفجيرها من قبل بعض المنظمات المناضلة للاستعمار وطريقته في الحكم، وتتمثل أهداف الخاطفين من حيث الجملة في أمور، أبرزها ما يلي:
1. تحقيق بعض المكاسب السياسية للحركات المناضلة التي ينتمي إليها الخاطفون من خلال مفاوضة المحتل في إطلاق سراح بعض المعتقلين أو تغيير بعض السياسات الجائرة أو غير ذلك من المطالب السياسية…
2. الانتقام من بعض الجهات المسؤولة التي يعتبرونها جائرة بحقهم باستهداف المباني العامة وتفجيرها وما يترتب على ذلك من إتلاف قدر هائل من الأرواح والممتلكات العامة…
3. السعي للحصول على فدية مالية أو حق اللجوء مما يجعل الدول المعنية في هذه الحالة بين الاستجابة لمطالبهم والمخاطرة بحياة الركاب والممتلكات العامة…
4. لفت الإعلام العام إلى القضية التي يتبناها الخاطفون ليتم تداولها على المستوى الدولي بما ينعكس أثره على الرأي العام العالمي، ويُسهم في كسب مزيد من الأنصار..
وبناء على ما سبق يرد السؤال في حكم هذا الفعل في المنظور الشرعي والآثار المترتبة عليه؟

حكم المسألة

قبل توصيف الحكم يجدر بيان خصائص عمليات خطف الطائرات، ويمكن إجمالها فيما يلي:

  1. أن ركاب الطائرة المدنية المخطوفة يحملون جنسيات مختلفة، وينتمون إلى أديان شتى، وهي في العادة تضم الرجال والنساء والأطفال والشيوخ بمن فيهم طاقم الطائرة.
  2. أن ركاب الطائرة في الأعم الأغلب وبناء على الوصف السابق لا علاقة لهم بقضية الخاطفين، والمطالب التي يسعون لتحقيقها من وراء الخطف، والتهديد بأرواح الركاب.
  3. أن تفجير الطائرة المدنية يؤدي إلى قتل من سبق وصفهم والغدر بهم باعتباره مخالفا لمقتضى العقد بالإضافة إلى قتل الخاطفين أنفسهم؛ وبالتالي فهو يتضمن غدرا وقتلا وانتحارا.

وبناء على ما سبق يتبين أن خطف الطائرات – لأي غرض كان – محرم شرعا، ويعد من صور الإرهاب، وبهذا صدر قرارات المجامع الفقهية، والهيئات الشرعية، ودور الفتوى، ويستندون في ذلك إلى جملة من الأدلة، أبرزها:

  1. قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب: ٥٨ ].

وجه الدلالة: أن خطف الطائرات وتفجيرها إيذاء للمؤمنين واعتداء على النفوس المعصومة.

وقوله تعالى:(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ) [ الأعراف: 56].

  1. وقوله: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ) [ المائدة: ٢ ].

وجه الدلالة: أن خطف الطائرات وتفجيرها يشتمل على جملة من صور الإفساد من القتل والترويع وتدمير الأموال وانتهاك الأعراض… فكان داخلا في عموم الآية.

  1. قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء:34].

وجه الدلالة: أن خطف الطائرة وتفجيرها غدر بالركاب والشركة المالكة؛ لأن تذكرة السفر تتضمن تعهدا بركوب الطائرة والمحافظة على السلم والأمان، واختطافها وتفجيرها يخل بهذا العقد، ويسقطه من رأسه.

  1. قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [المائدة: 87 ].
  2. قول النبي-ﷺ-: (كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه). [أخرجه مسلم برقم:( 2563) 4/1986.]

وجه الدلالة: أن نص في تحريم دم المسلم ونفسه وماله، وخطف الطائرات وتفجيرها بمن فيها يؤدي إلى انتهاك الحرمات الثابتة.

  1. أن الإجماع منعقد على تحريم أموال الناس ودمائهم إلا بحق كما حكاه واحد، وتفجير الطائرات السلمية انتهاك للأموال العامة والخاصة، وإتلاف للنفوس المعصومة.
  2. أن اختطاف الطائرات وتفجيرها يتضمن ترويعا للآمنين وقتلا للأنفس المعصومة من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال وسائر من لا يجوز قتله.
  3. أن الشريعة الإسلامية جاءت لحماية الضروريات الخمس، والمحافظة على بقائها، وهي: (الدين والنفس والعرض والعقل والمال)، واختطاف الطائرات ينشأ عنه اعتداء على الأنفس والأعراض والأموال.
  4. أن خطف الطائرات والمساومة بركابها لتحقيق بعض المطالب يتضمن معاقبة البريء – وهم الركاب – من أجل إرغام المحتل أو الجاني على الاستجابة لمطالب الخاطف، وهذا ينافي العدالة المقررة في الشريعة.

وأما عقوبة الخاطفين فهي الحرابة؛ وذلك لدخولهم في قول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة: 33]

 

ملحق المسألة: قرار هيئة كبار العلماء رقم: (148) وتاريخ: 12/1/1409هـ.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد:

فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثانية والثلاثين، والمنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من 8/ 1/ 1409 إلى 12/1/1409 هـ.

بناء على ما ثبت لديه من وقوع عدة حوادث تخريب ذهب ضحيتها الكثير من الناس الأبرياء، وتلف بسببها كثير من الأموال والممتلكات والمنشآت العامة في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها، قام بها بعض ضعاف الإيمان أو فاقديه من ذوي النفوس المريضة والحاقدة، ومن ذلك: نسف المساكن، وإشعال الحرائق في الممتلكات العامة والخاصة، ونسف الجسور والأنفاق، وتفجير الطائرات أو خطفها.

وحيث لوحظ كثرة وقوع مثل هذه الجرائم في عدد من البلدان القريبة والبعيدة، وبما أن المملكة العربية السعودية كغيرها من البلدان عرضة لوقوع مثل هذه الأعمال التخريبية؛ فقد رأى مجلس هيئة كبار العلماء ضرورة النظر في تقرير عقوبة رادعة لمن يرتكب عملا تخريبيا، سواء كان موجها ضد المنشآت العامة والمصالح الحكومية، أو موجها لغيرها بقصد الإفساد والإخلال بالأمن .

وقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة، وهي: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال.

وقد تصور المجلس الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وما تسببه الأعمال التخريبية من الإخلال بالأمن العام في البلاد، ونشوء حالة من الفوضى والاضطراب، وإخافة المسلمين على أنفسهم وممتلكاتهم، والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص، ومما يوضح ذلك قوله سبحانه: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32].

وقوله سبحانه: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33].

وتطبيق ذلك كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين في أنفسهم وممتلكاتهم، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وغيرها على السواء لقوله سبحانه: (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا) [المائدة:33].

ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره، وقال أيضا: “المحاربة هي المخالفة والمضادة، وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر” اهـ .

والله تعالى يقول: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) [البقرة:204، 205]، وقال تعالى:(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[الأعراف:56].

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما أضره بعد الإصلاح، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد؛ فنهى تعالى عن ذلك” اهـ وقال القرطبي: “نهى سبحانه وتعالى عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر، فهو على العموم على الصحيح من الأقوال” اهـ .

وبناء على ما تقدم، ولأن ما سبق أيضا حد يفوق أعمال المحاربين الذين لهم أهداف خاصة يطلبون حصولهم عليها من مال أو عرض، وهؤلاء هدفهم زعزعة الأمن وتقويض بناء الأمة واجتثاث عقيدتها، وتحويلها عن المنهج الرباني؛ فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:

أولا: من ثبت شرعا أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن بالاعتداء على الأنفس والممتلكات الخاصة أو العامة: كنسف المساكن أو المساجد أو المدارس أو المستشفيات والمصانع والجسور ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة لبيت المال كأنابيب البترول، ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك؛ فإن عقوبته القتل لدلالة الآيات المتقدمة على أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المفسد؛ ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالأعمال التخريبية وضررهم أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي على شخص فيقتله أو يأخذ ماله، وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة.

ثانيا: أنه لا بد قبل إيقاع العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة من استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى براءة للذمة واحتياطا للأنفس، وإشعارا بما عليه هذه البلاد من التقيد بكافة الإجراءت اللازمة شرعا لثبوت الجرائم وتقرير عقابها.

 

ثالثا: يرى المجلس إعلان هذه العقوبة عن طريق وسائل الإعلام، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .

المراجع

1. جريمة اختطاف الطائرات وعقوبتها، لفهد الغامدي – بحث تكميلي في المعهد العالي للقضاء، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
2. الأحكام المتعلقة بالطيران وآثاره، د. فايز الفايز، رسالة دكتوراه بكلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
3. الجرائم الدولية في ضوء القانون الدولي الجنائي والشريعة الإسلامية، لأحمد عبد الكريم عثمان، على الرابط: (https://www.abjjad.com/book).
4. الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (www.alifta.net) قرار رقم: (148)

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى