قسم المعاملات الماليةباب البنوك والقروض

إيداع المصرف الإسلامي عند المصرف الربوي

المسألة رقم 195

صورة المسألة

يوجب البنك المركزي على البنوك سواء كانت إسلامية أم ربوية أن تودع نسبة من رأس مالها لديه، ويضع على ذلك فوائد ربوية، فهل يجوز أن تودع المصارف الإسلامية فيه ذلك؟ وما حكم الفوائد التي تعطى لها مقابل الإيداع؟

حكم المسألة

سنتناول حكم المسألة في ثلاثة فروع:

الفرع الأول: حكم الإيداع في البنك الربوي عند الضرورة.

الفرع الثاني: هل يجوز أخذ الفائدة الربوية أم لا؟ وعلى القول بالجواز فأين تصرف؟

الفرع الثالث: بديل مقترح عن الاقتراض من البنك المركزي بفائدة ربوية.

فإلى تفصيل ذلك:

الفرع الأول: حكم الإيداع في البنك الربوي عند الضرورة.

الذي عليه أكثر علماء العصر هو جواز الإيداع في البنك الربوي عند الضرورة، سواء كان المودع شخصا أم مصرفا إسلاميا، وبهذا صدرت فتوى الهيئة الشرعية للبركة، وفتوى بيت التمويل الكويتي، وبه أفتى عبد العزيز بن باز.

أدلة الجواز عند الضرورة:

  1. قال الله عز وجل: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: 119].
  2. وقال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 172].

ووجه الدلالة من الآيتين: أن المسلم إذا اضطر لذلك ولم يجد مصرفاً إسلاميًا يتعامل معه فإنه ينطبق عليه حكم المضطر.

3 أن البنوك والمصارف الإسلامية لا خيار لها مع وجود هذه التنظيمات والاشتراطات، فإما أن تودع جزءا من رأسمالها لدى البنك المركزي أو تنسحب من السوق، وبقاؤها فيه مصلحة ظاهرة.

 

الفرع الثاني: هل يجوز أخذ الفائدة الربوية أم لا؟ وعلى القول بالجواز فأين تصرف؟

للعلماء المعاصرين في هذه المسألة اتجاهان:

الاتجاه الأول: عدم جواز أخذ الفائدة من البنك مطلقا، وممن قال بذلك الشيخ ابن عثيمين.

واستدلوا بما يلي:

  • قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278-279].

ووجه الدلالة: أن الله عز وجل بين أن الإنسان إذا تاب فليس له إلا رأس ماله فقط، لا يظلم ولا يُظلم.

  • عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله). [أخرجه مسلم 2/ 886 رقم( 1218)].

ووجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الربا الذي كان معقودًا في الجاهلية قبل تقرر الأحكام في الإسلام، فكيف بربا حصل بعد تقرر الأحكام في الإسلام؟!

 

الاتجاه الثاني: جواز أخذ الفائدة من البنك، وصرفها في وجوه البر، وممن قال بذلك: الشيخ ابن باز، واللجنة الدائمة للبحوث والاستفتاء، والهيئة الشرعية لمصرف الراجحي، وبيت التمويل الكويتي ومجمع الفقه الإسلامي الدولي.

واستدلوا بما يلي:

  • الفوائد مال قد أخذه صاحبه بوجه محرم فعليه أن يتصدق به، كالمسروق والمغصوب الذي لا يرجى معرفة صاحبه. وهكذا مصرف الأموال المحرمة عند التوبة منها، كمهر البغي وثمن الكلب ونحوها.
  • يصرفه في وجوه الخير على الفقراء والمساكين والمجاهدين ونحوهم فهو أفضل من تركه لمن يصرفه على الكنائس والدعاة إلى الكفر والصد عن الإسلام.

 

الملاحق:

فتوى الهيئة الشرعية للبركة:

“لا يجوز أن تودع الفوائد الربوية- الناتجة من الاضطرار للإيداع في البنوك الربوية- في البنك المركزي الذي يوجب على البنوك إيداع نسبة من رؤوس أموالهم لديه”([1]).

فتوى الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي رقم (124):

لا يجوز أن تصرف الأموال التي تحصل عليها الشركة من فوائد حسابات المراسلين وما شابهها غير فقراء المسلمين وجهات الخير الإسلامية([2]).

 

فتوى بيت التمويل الكويتي:

“سؤال مقدم من بنك بنجلاديش الإسلامي حول الإفتاء عن استلام الفائدة من البنك المركزي ومناقشة الأسئلة الأربعة المدرجة في الرسالة المرفقة مع المحضر:

أولا: هل يجوز لنا أن نأخذ الفائدة (الربا) من البنك المركزي أم لا؟

ثانيا: هل يجوز لنا أن نأخذ جزءا منها كالتكلفة الإدارية أم لا؟

ثالثا: هل يجوز لنا أن نأخذها كلها ربحا حلالا لمودعينا؟

رابعا: هل يجوز لنا أن نأخذها ونصرفها في الأعمال الخيرية؟

الجواب: لا يصح أن نعتبر ربحا ما يعطيه البنك المركزي عن الأموال المودعة لديه كاحتياطي إجباري، بل هو فائدة (ربا)، ولا يجوز أخذ الفائدة، ولا جزء منها، كالتكلفة الإدارية .

ولكن يجوز أن تدفع منها الضرائب الخاصة بها، لا بأصل المال الذي أعطيت الفائدة عنه، وينبغي التفاهم مع البنك المركزي لإقناعه بطبيعة الودائع الاستثمارية، وأنها حصص في المشاركة، وليست قروضا حتى يحتاج لوضع احتياطي عنها .

فإن لم تحصل القناعة يصار إلى شراء أسهم استثمارية إسلامية مما لدى البنك المركزي، أو من غيره، وتودع الأسهم لديه .

فإن لم يمكن ذلك: فإن ما يعطى من البنك كفوائد يصرف كله في وجوه الخير؛ عدا بناء المساجد وطبع المصاحف”([3]).

فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:

أما الفوائد البنكية فهي من الربا المحرم والواجب ترك المعاملة الربوية والتوبة إلى الله من ذلك، مع صرف الفوائد الربوية التي حصل عليها في وجوه الخير تخلصا منها وإكمالا للتوبة([4]).

 

قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي:

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ /11 – 16 تشرين الأول (أكتوبر ) 1986م .
بعد دراسة مستفيضة ومناقشات واسعة لجميع الاستفسارات التي تقدم بها البنك إلى المجمع، قرر ما يلي:

“يحرم على البنك أن يحمي القيمة الحقيقية لأمواله من آثار تذبذب العملات بواسطة الفوائد المنجرة من إيداعاته. ولذا يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام كالتدريب والبحوث، وتوفير وسائل الإغاثة، وتوفير المساعدات المالية للدول الأعضاء وتقديم المساعدة الفنية لها، وكذلك للمؤسسات العلمية والمعاهد والمدارس وما يتصل بنشر المعرفة الإسلامية”([5]).

 

الفرع الثالث: بديل مقترح عن الاقتراض من البنك المركزي بفائدة ربوية:

أن يقرض المصرف الإسلامي المصرف الربوي مبلغا معلوما لمدة معلومة، على أن يقرضه المصرف الربوى مبلغا مماثلاً في المستقبل لمدة مماثلة.

 

وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم هذه الصورة على اتجاهين:

الاتجاه الأول: الجواز، وبه أخذت الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي، وهيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي، واختاره بعض الباحثين.

الاتجاه الثاني: المنع، وقال به بعض الباحثين.

أدلة الجواز:

  • هذه القروض ليست من القرض الذي يجر نفعًا.
  • القياس على مسألة السفتجة بجامع الاشتراك في المنفعة للطرفين.
  • أن هذا القرض المتبادل لا ظلم فيه لأحد الطرفين، بل هو عدل وإنصاف، ومثل هذا سائغ شرعا.

أدلة المنع:

  • هذه المعاملة كبيعتين في بيعة المنهي عنها.
  • في هذه المعاملة حيلة ربوية، وذلك غير جائز.
  • هذه المعاملة هي نفس مسألة أسلفني وأسلفك المنهي عنها.
  • سد ذريعة التوصل إلى الربا.

 

الملاحق:

قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار:

جاء في القرار رقم 16 تاريخ 1/1/1410هـ ما يلي:

“إن فتح حسابات للشركة لدى المصارف الأجنبية التي تتعامل بالربا إنما يجوز لضرورة ممارسة عملها، ويمكن للشركة أن تتعامل مع مراسليها من البنوك في الخارج أو داخل المملكة بنفس الطريقة التي تتعامل بها البنوك الإسلامية مع مراسليها، بحيث تطلب من تلك البنوك المعاملة بالمثل، أي أن تودع تلك البنوك ودائعها لدى الشركة بدون أن تدفع الشركة فوائد عليها، والعكس صحيح”.

 

فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني:

جاء في الاستفسار رقم 1 حول طريقة التعامل مع البنوك الخارجية ما يلي:

” بالنسبة لمراسلي البنك بالخارج من البنوك الأجنبية، والواضح أن هناك مشكلة تتعلق بطريقة المحاسبة في التعامل، حيث إن مثل هذه المعاملات تحكم وتحسب عن طريق سعر الفائدة، وبما أن مثل هذه المعاملات ربوي سوف يكون محظورا على البنك، فإننا نقترح أن يتم التعامل باتفاق مسبق مع البنك الأجنبى فحواه أن يضع البنك الإسلامي مبلغا لحسابه مع البنك الأجنبي من غير أن يتقاضى فائدة على ذلك، ويتم ذلك ويتم السحب من ذلك المبلغ لأغراض البنك، وفي حالة تجاوز المبالغ المسحوبة للرصيد المودع لدى البنك الأجنبي يصبح بالتالي دائنا للبنك الإسلامي، فإنه ينبغي عدم دفع أية فائدة، بل يتم تحويل مبلغ لتغذية الحساب بحيث يكون هناك موازنة بين المبالغ المودعة والمبالغ المسحوبة أو الحسابات المكشوفة فهل هناك أي غضاضة على هذا الأسلوب في التعامل من وجهة النظر الشرعية؟

والجواب : إن الهيئة ترى جواز المعاملة التي يقترحها بنك فيصل الإسلامي في استفساره سواء شرط في اتفاقه مع البنك الأجنبي أن يقرضه من غير فائدة أو لم يشترط الإقراض واكتفى باشتراط عدم أخذ الفائدة”.


([1]) فتاوى الهيئة الشرعية للبركة، ص294.

([2]) قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي، (1/198).

([3]) الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، بيت التمويل الكويتي (1/63 رقم 362).

([4]) فتوى اللجنة الدائمة (9/ 238) المجموعة الأولى.

([5]) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ص14، 15.

المراجع

1. قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي، المجموعة الشرعية بمصرف الراجحي، دار كنوز إشبيليا – الرياض، الطبعة الأولى 1431هـ-2010م.
2. الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية دراسة في ضوء الاقتصاد الإسلامي، د.فهد الشريف، المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي؛ جامعة أم القرى، طبعة تمهيدية.
3. فتاوى الهيئة الشرعية للبركة، جمع وترتيب: د. عبد الستار أبو غدة، د. عز الدين خوجة، الطبعة الثانية 1423هـ- 2003م.
4. الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، بيت التمويل الكويتي، بدون ناشر، بدون رقم طبعة.
5. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء– الرياض.
6. مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله، عبد العزيز بن عبد الله بن باز، أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر.
7. قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، جميل أبو سارة.
8. لقاء الباب المفتوح: محمد بن صالح العثيمين، العدد السابع والعشرون.
9. فتاوى إسلامية، اللجنة الدائمة، قرارات المجمع الفقهي، عبد العزيز بن باز، محمد العثيمين، عبد الله الجبرين، جمع وترتيب: محمد المسند، دار الوطن، الرياض، 1413 – 1415هـ.
10. النوازل في القرض، صالح بن علي الجوعي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،1432هـ-1433هـ.
11. فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني، دار هايل للطباعة والنشر، الخرطوم بحري.
12. قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، د. نزيه حماد، دار القلم – دمشق، الدار الشامية- بيروت، الطبعة الأولى 1421ه- 2001م.
13. الجامع في أصول الربا، د. رفيق المصري، دار القلم – دمشق، الدار الشامية- بيروت، الطبعة الأولى 1412ه- 1991ه.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى