إنشاء وتمويل المواقع الإسلامية على الشبكة العالمية (الإنترنت) من أموال الزكاة
مسألة رقم 99
حكم الصرف على المواقع الإلكترونية الإسلامية من مصرف (في سبيل الله).
منذ فجر الإسلام وأعداؤه يشنون عليه حربا شعواء بمختلف الأساليب والوسائل، وفي عصرنا هذا ركز أعداء الإسلام على الغزو الفكري والعقدي وأنفقوا أموالا طائلة في ذلك، مستغلين التقدم التقني والتكنولوجي مما يحتم على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام وبما هو أنكى منه, وإعلاء كلمة الله بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه..
وقد أصبحت الشبكة العالمية (الإنترنت) من أقوى وسائل الدعوة في الوقت الحاضر، ويمكن الوصول عن طريقها إلى الملايين من البشر مع قوة التأثير وقلة التكلفة مقارنة بغيرها من الوسائل, لكن إنشاء مواقع عليها لتحقيق هذه الأهداف يتطلب وجود أموال للصرف عليها كما لا يخفى، فهل يجوز الصرف على هذه المواقع من مصرف في سبيل الله من الزكاة؟
من مصارف الزكاة الثمانية مصرف (في سبيل الله) وقد اختلف العلماء في معناه، وللمعاصرين اتجاهان فيه:
الاتجاه الأول: يرى شمول مصرف (في سبيل الله) للجهاد وغيره، وقد صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عن دخول الدعوة إلى الله في مصرف (في سبيل الله)، وجاء فيه الإشارة لأقوال العلماء في المراد بمصرف (في سبيل الله)، وجاء في القرار: –
وبعد دراسة الموضوع ومناقشته وتداول الرأي فيه ظهر أن للعلماء في المسألة قولين:
أحدهما: قصر معنى (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) في الآية الكريمة على الغزاة في سبيل الله وهذا رأي جمهور العلماء, وأصحاب هذا القول يريدون قصر نصيب (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) من الزكاة على المجاهدين الغزاة في سبيل الله تعالى.
القول الثاني: إن سبيل الله شامل عام لكل طرق الخير والمرافق العامة للمسلمين من بناء المساجد وصيانتها وبناء المدارس والربط وفتح الطرق وبناء الجسور وإعداد المؤن الحربية وبث الدعاة وغير ذلك من المرافق العامة مما ينفع الدين وينفع المسلمين, وهذا قول قلة من المتقدمين وقد ارتضاه واختاره كثير من المتأخرين.
وبعد تداول الرأي ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي:
1 – نظرًا إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين وإن له حظًّا من النظر في بعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ) , ومن الأحاديث الشريفة مثل ما جاء في سنن أبي داود أن رجلًا جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي ﷺ : (اركبيها فإن الحج في سبيل الله).
2 – ونظرًا إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى وإن إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون – أيضًا – بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه بإعداد الدعاة ودعمهم ومساعدتهم على أداء مهمتهم فيكون كلا الأمرين جهادًا لما روى الإمام أحمد والنسائي وصححه الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم).
3 – ونظرًا إلى أن الإسلام مُحَارب – بالغزو الفكري والعقدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين, وأن لهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام وبما هو أنكى منه.
4 – ونظرًا إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة بخلاف الجهاد بالدعوة فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون.
لذلك كله فإن المجلس يقرر – بالأكثرية المطلقة – دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يعين عليها ويدعم أعمالها في معنى – وفي سبيل الله – في الآية الكريمة.
كما صدرت بذلك فتوى الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة في مصرف في سبيل الله على النحو التالي: (إن مصرف في سبيل الله يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام والعمل على تحكيم شريعته ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه وصد التيارات المعادية له، وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده ومما يدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل تمويل مراكز الدعوة إلى الإٍسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مقرا للدعوة الإسلامية.
وتمويل الجهود التي تثبت الإٍسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلط عليها غير المسلمين على رقاب المسلمين والتي تتعرض لخطط تذويب البقية من المسلمين في تلك الديار).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: “وها هنا أمر هام يصح أن يصرف فيه من الزكاة، وهو إعداد قوة مالية للدعوة إلى الله، ولكشف الشبه عن الدين، وهذا يدخل في الجهاد، هذا من أعظم سبيل الله).
وهذا القرار للمجمع الفقهي وهذه الفتوى الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة ومن الشيخ محمد بن إبراهيم تقتضي جواز إنشاء وتمويل المواقع الإسلامية على الشبكة العالمية (الإنترنت) من أموال الزكاة؛ إذ إن ذلك يدخل في الجهاد بالدعوة إلى الله فيكون داخلا في مصرف (في سبيل الله) بناء على القول بأن مصرف (في سبيل الله) لا يقتصر على الجهاد بالسلاح؛ بل يشمل الجهاد بالدعوة إلى الله تعالى الذي هو الأصل في الجهاد في سبيل الله، فإن الجهاد بالسلاح إنما يلجأ إليه إما دفاعا عن النفس أو لإزالة مايعترض نشر الدعوة إلى الله تعالى..
الاتجاه الثاني: يرى قصر مصرف (في سبيل الله) على الغزاة دون غيرهم، فلا تدخل الدعوة إلى الله فيه، وقد صدر في ذلك قرار لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وجاء فيه:
(بعد الاطلاع على ما أعدته اللجنة الدائمة في ذلك من أقوال أهل العلم في بيان المراد بقول الله تعالى في آية مصارف الزكاة: ( وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ) ودراسة أدلة كل قول، ومناقشة أدلة من فسر المراد بسبيل الله في الآية بأنهم الغزاة وما يلزمهم من أجل الغزو خاصة، وأدلة من توسع في المراد بها، ولم يحصرها في الغزاة، فأدخل فيها بناء المساجد والقناطر وتعليم العلم وتعلمه وبث الدعاة والمرشدين إلى غير ذلك من أعمال البر ووجوهه، ورأى أكثر أعضاء الهيئة الأخذ بقول جمهور العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء أن المراد بقوله تعالى: ( وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ) في آية مصارف الزكاة الغزاة المتطوعون بغزوهم، وما يلزم لهم من استعداد، وإذا لم يوجدوا صرفت الزكاة كلها لما وجد من مصارفها الأخرى، ولا يجوز صرفها في شيء من المرافق العامة من بناء مساجد وقناطر وأمثالهما، إلا إذا لم يوجد لها مستحق من الأصناف الثمانية المنصوص عليها في آية مصارف الزكاة.
1. فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (4/142).
2. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية (10/47،48)، الفتوى رقم (1071).
3. فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة ص(25).
4. قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة ص(185) القرار (4) من الدورة الثامنة.
5. نوازل الزكاة للدكتور عبد الله الغفيلي ص 445.