إذا فقدت الفتاة بكارتها بسب الزنا، أو بأمر طارئ غير الزنا، كالسقوط على الأرض، والحوادث وما شابه ذلك، وقامت بعملية رتق غشاء البكارة مخافة العار، وافتضاح أمرها، فهل يلزمها إعلام الخاطب بذلك( )؟
اختلف الفقهاء في حكم إعلام الخاطب برتق غشاء البكارة على قولين:
القول الأول: أنها لا تعلمه بذلك، بل تستر على نفسها، ولو سألها فإنها لا تخبره وتستعمل المعاريض والتورية ([1]).
القول الثاني: أن الواجب على الفتاة أن تبلغ الخاطب بما فعلت.
أدلة القول الأول القائل بأنها لا تعلمه:
- أن من ابتلي بشيء من المعاصي ثم تاب، تاب الله عليه، وبدل سيئاته حسنات، مهما كان ذنبه، ومهما عظم جرمه، كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ ([2])، والمهم أن تكون التوبة صادقة نصوحا خالصة لله تعالى.
ومن إحسان الله تعالى على عبده أن يستره، ولا يكشف أمره، ولهذا كان من القبيح أن يفضح الإنسان نفسه وقد ستره الله، بل أن ينبغي أن يستتر بستر الله تعالى.
- أن النصوص الشرعية أكدت على الستر، وحثت عليه، ومن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها فمن ألمّ بشيء من ذلك فليستتر بستر الله عز وجل) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ح: 16185، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (663).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). أخرجه مسلم، ح: 2590
وهذه بشارة للتائب الذي ستره الله تعالى في الدنيا، أن الله سيستره في الآخرة، وقد حلف النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى تأكيدا له، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ لَا يَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ، فَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ. وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُمْ. وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ: لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أخرجه الإمام أحمد، ح: 23968، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم (1387).
وقال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافي إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ)أخرجه البخاري، ح: 6069، ومسلم، ح: 2990.
دليل القول الثاني القائل بالمصارحة:
أن مصارحة المرأة من تقدم لخطبتها بما حدث معها وظروفها، سواء تمت المصارحة منها أو من أهلها قبل الزواج، هي الطريق السليم والصحيح الذي تقرره الشريعة، وترتضيه الفطرة السليمة، ويمليه العقل وبعد النظر، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ([3]).
فلا يجوز لها ولا لوليِّها الغش والتدليس، بل يجب البيان.
([1]) هو الكلام الذي يفهم منه السامع معنى، خلاف ما يريده المتكلم، كأن تقول: لم يكن لي علاقة بأحد، وتقصد لم يكن لي علاقة بأحد قبل يوم أو يومين، ونحو هذا.
1. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية، إدارة الإفتاء 7/39ع/2000م رتق غشاء البكارة [5203].
2. ” مـآلات الأفعـال عند الأصوليين وأثرها الفقهي “، رسالة دكتوراه في أصول الفقه، د./ وليد بن علي الحسين، الجزء الثالث، العام الجامعي 1426-1427هـ.