إرجاع يد السارق بعد قطعها في الحد.
استعادة عضو قاطع الطريق بعد قطعه في الحد.
تركيب أو خياطة ما يقطع حدًّا.
إذا قطعت يد الإنسان أو رجله في حد شرعي، فهل يجوز إعادة هذا العضو المقطوع مرة أخرى إلى صاحبه وزرعه في مكانه السابق، سيما مع تقدم الطب الحديث اليوم حيث أمسى ذلك أسهل وأيسر من ذي قبل؟
اختلفت آراء الفقهاء في حكم هذه المسألة، ولهم في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول: المنع، فلا يجوز إعادة العضو المقطوع في حد إلى موضعه مطلقًا، وهو قول جمهور الفقهاء، وصدر بذلك قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقا).
الأدلة:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
الدليل الأول: قول الله تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (المائدة: 38)
فالآية نصت على علة الحكم وهي الجزاء والنكال، والجزاء حصل بالقطع، والنكال لا يتم إلا برؤية اليد مقطوعة، وإعادتها بعد القطع يفوت النكال المنصوص عليه.
ثم إن الحكم بالقطع يوجب قطع جرمها وحياتها؛ فصلا لها عن البدن على التأبيد، وفي إعادتها مخالفة لحكم الشرع وافتيات عليه.
الدليل الثاني:قول الله تعالى ( وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) (النور:2)، فقد دلت هذه الآية على حرمة الرأفة بالمعتدي لحدود الله، والسارق والمحارب معتد لحدود الله؛ فلا تشرع الرأفة به بإعادة ما قطع منه بعد إقامة الحد عليه.
الدليل الثالث: أن الحكمة من مشروعية حد السرقة والحرابة تعارض القول بجواز إعادة العضو المقطوع؛ فالقطع فيه إتلافٌ للعضو الذي كان سببا في أخذ المال، وفيه زجر للمقطوع وغيره عن هذا الفعل، لا مجرد الإيلام والتنكيل بالمقطوع وحده، ومع إعادة العضو المقطوع لا تظهر هذه الحكم بشكل واضح.
الدليل الرابع: أن في إعادة يد السارق سترا على جريمته، والشارع قاصد لفضيحته؛ فلم يجز إعادة ذلك العضو لمخالفته قصد الشارع،وفيه أيضا تشجيع لأهل الإجرام على فعل الجرائم، إذا علم أن يده ستعود إليه إذا قطعت،مما يفوت المقصود من إقامة الحدود وهو الردع والزجر.
القول الثاني: يجوز إعادة العضو المقطوع حدا مطلقًا، وهو قول لبعض الفقهاء والباحثين المعاصرين.
الأدلة:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
الدليل الأول:عدم وجود دليل قطعي يمنع من إعادة العضو المقطوع في حد؛ وإذا لم يوجد دليل على المنع فهو مباح استصحابا لأصل الإباحة.
الدليل الثاني: لا سلطان للحاكم على المحدود بعد تنفيذ الحد، فإذا بادر المحدود بإعادة ما قطع منه لم يحق للحاكم منعه من ذلك،كما لا يحق له منعه من تركيب طرف صناعي، وإعادة العضو الطبيعي أجدى وأنفع من الصناعي وأولى.
الدليل الثالث: أن الحكمة المادية والمعنوية من إقامة حد القطع قد تحققت بتنفيذه، ففي القطع إيلام وتعذيب، وزجر ونكال، وتشهير وإساءة سمعة، وكل ذلك تحقق بمجرد القطع؛ فلم يكن في إعادته بعد ذلك ما يمنع تحقق هذه الحكم؛لأنها قد حصلت بمجرد القطع.
الدليل الرابع: أن في إعادة العضو المقطوع في الحد مصلحة ضرورية لصاحبها، ولا تتصادم هذه المصلحة مع النصوص الشرعية الآمرة بإقامة الحد حيث قد أقيم وفرغ منه، والشارع سكت عما بعد تنفيذ الحد.
القول الثالث: التفصيل، فيجوز إعادة العضو المقطوع في حد إذا ثبت الحد بالإقرار، أما إذا ثبت بالشهود فلا تجوز إعادته إلا بأربعة شروط:
الأول: توبة السارق أو المحارب.
الثاني: أن يكون الحد من حقوق الله المبنية على المسامحة.
الثالث: أن تكون حالات الإعادة قليلة أو نادرة؛ لئلا يتجرأ الجناة على الجرائم.
الرابع: أن يعيد السارق المال المسروق إلى صاحبه.
الأدلة: استدل أصحاب هذا القول بأدلة القول الثاني القائل بالجواز المطلق وسبق ذكر بعضها.
ويلاحظ على الشرط الثاني أن كل الحدود التي فيها قطع من حقوق الله تعالى، وهي الحرابة والسرقة، ولكن الحدود وإن كانت حقًّا لله تعالى فليست مبنية على المسامحة إذا بلغت السلطان.
1. أحكام الجراحة الطبية، د. محمد المختار الشنقيطي، ط. مكتبة الصديق، ط.1 1413.
2. أحكام نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي،د. يوسف الأحمد، ط. كنوز أشبيليا 1427.
3. التداوي في استيفاء العقوبات البدنية، د. عبدالله بن صالح الحديثي، ط. دار المسلم، الأولى 1419، الرياض.
4. الجراحة التجميلية، د. صالح بن محمد الفوزان، ط. دار التدمرية، الطبعة الثانية 1429.
5. سرقة الأعضاء بالجراحة الطبية، د. محمد يسري إبراهيم، ط. دار طيبة الخضراء، ط.1 1426.مكة المكرمة.
6. مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي العدد السادس (ج3).وتحوي عددا من البحوث فـي هذه المسألة لأصحاب الفضيلة أعضاء المجمع.
معجم مصطلحات الفقه الطبي، د. نذير محمد أوهاب، ط. كرسي الأمير سلطان بن عبد العزيز للدراسات المعاصرة، الرياض، 1434.