• بقاء المسلمة حديثاً تحت زوجها غير المسلم.
• إسلام المرأة وبقاء زوجها غير المسلم على دينه.
• بقاء المسلمة في عصمة الكافر.
أن تسلم المرأة المتزوجة بكافر بينما يبقى زوجها على غير ملة الإسلام، وهنا ما مصير عقد زواج هذه المرأة؟ وما مصير أسرتها وما مصير أولادها؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على اتجاهين:
الاتجاه الأول: لا يجوز أن يستمر هذا النكاح حيث منع الكثير من الفقهاء استمرار بقاء المرأة المسلمة تحت زوجها الكافر، فالفرقة تقع بالإسلام عند الجمهور، وخالف الحنفية في هذا فذهبوا إلى أن الفرقة لا تقع بالإسلام نفسه ولكن بعرض الإسلام على الطرف الآخر، فإن أسلم أُقرا على النكاح وإلا فرَّق القاضي بينهما.
وقيل تنتظر المرأة إسلام زوجها حتى انتهاء العدة، فإن أسلم قبل انتهاء العدة فهي له، وإن انقضت العدة فهي بالخيار إن هو أسلم بعد ذلك.
وبهذا أفتى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، قال رحمه الله: ومسألة حل المرأة المسلمة للكافر مما لا مجال للاجتهاد فيه؛ لأن الله تعالى يقول في سورة الممتحنة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) [الممتحنة 10].
والإنسان لا يهمه أن يفقد ولده أو زوجته أو أباه أو أمه من أجل إقامة دينه، لقد كان السلف الصالح ربما يبغض بعضهم أباه أو ابنه؛ لأنه مخالف له في دين الله، وعلى هذا فإذا أسلمت المرأة وزوجها مصر على الكفر، فإن أكثر أهل العلم يقولون: ينتظر في الأمر حتى تنتهي العدة، فإن أسلم الزوج في أثناء العدة فالنكاح بحاله ولا تفريق بينهما، وإن انتهت العدة قبل أن يسلم الزوج فإننا نتبين انفساخ النكاح منذ أسلمت المرأة وحينئذ لا تحل له إلا أن يسلم ويعقد عليها عقداً جديداً.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرأة محبوسة على زوجها إذا أسلمت حتى تنقضي العدة، لا يمكنها أن تتزوج، فإذا أسلم فهي زوجته، وإذا انتهت العدة فإنها بالخيار إذا أسلم زوجها بعد العدة إن شاءت رجعت إليه، وهذا القول هو القول الراجح؛ لأن النبي ﷺ: رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين، وعلى هذا فإذا أسلمت الزوجة وزوجها باق على الكفر فإنه يفرق بينهما، ثم إن أسلم قبل انتهاء عدتها فهي زوجته ولا خيار لها في العدة، وأما إذا انتهت العدة فإن شاءت أن تتزوج بغيره فلها أن تتزوج، وإن بقيت وأسلم ولو بعد مدة فلها أن تلحق به([1]).
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وهو الذي رجحه الشيخ ابن عثيمين، وعليه فتوى دار الإفتاء المصرية([2]) وغيرهم.
واستدلوا بما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ: رد زينب ابنته على زوجها أبي العاص بنكاحها الأول [رواه الترمذي برقم (1143) وأبو داود برقم (2240) وابن ماجة برقم (2019)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة]([3]).
وكان إسلامه بعد نزول آيات سورة الممتحنة، والتي فيها تحريم المسلمات على المشركين بسنتين، والظاهر انقضاء عدتها في هذه المدة. ومع ذلك ردها النبي ﷺ: إليه بالنكاح الأول([4])..
وفتوى دار الإفتاء المصرية جاءت على هذا القول. وإليك فتوى فضيلة الشيخ أحمد هريدي([5]):
المنصوص عليه في فقه الحنفية أنه إذا أسلمت زوجة الكتابي -المسيحي أو اليهودي- عرض الإسلام على الزوج، فإن أسلم بقيت الزوجية بينهما، وإن لم يسلم حكم القاضي بالتفريق بينهما بإبائه عن الإسلام، وبهذا الحكم تنقطع العلاقة الزوجية بينهما ولا سلطان له عليها.
ويكون هذا التفريق طلاقاً بائناً سواء أكان قبل الدخول أم بعده فلا يملك مراجعتها، وينقص بهذا الطلاق عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته حتى لو أسلم بعد ذلك وتزوجها قبل أن تتزوج غيره لا يكون له عليها سوى طلقتين إذا كانت طلقة التفريق غير مسبوقة بطلاق آخر.
وتجب عليها العدة، وهى أن ترى الحيض ثلاث مرات كوامل من تاريخ صدور حكم التفريق إن كانت من ذوات الحيض.
وأقل مدة تصدق فيها أنها رأت الحيض ثلاث مرات كوامل، ستون يوماً، أو أن تضع حملها إن كانت حاملاً.
أما إذا لم تكن من ذوات الحيض ولا حاملاً بأن كانت صغيرة لا تحيض أو كبيرة وبلغت سن اليأس فعدتها ثلاثة أشهر من تاريخ الطلاق أي الفرقة وجملة ذلك تسعون يوماً، ويجب على الرجل نفقة العدة لهذه المرأة إذا كان هناك دخول لأن المانع من استمرار الزواج قد جاء من جهته بسبب إبائه عن الإسلام، وكذلك يقع طلاقه عليها إذا طلقها مرة أخرى وهى في العدة. أهـ.
وأيضا فتوى فضيلة الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر([6]):
نفيد أن المنصوص عليه شرعاً أن المسيحية المتزوجة بمسيحي إذا أسلمت عرض الإسلام على زوجها، فإن أسلم بقي الزواج بينهما، وإن امتنع عن الإسلام فرق القاضي بينهما بطلقة بائنة.
وإذاً فلا بد للتفريق بين المسيحية التي أسلمت وزوجها المسيحي، من عرض الإسلام عليه، وأن يكون التفريق بواسطة القاضي عند الامتناع عن الإسلام بعد العرض عليه، فإن لم يفرق القاضي بينهما تكون الزوجية قائمة.
ومن ذلك يتبين أن زواج المسيحية التي أسلمت، بمسلم، قبل عرض الإسلام على الزوج، وقبل تفريق القاضي، يكون زواجاً غير صحيح؛ لأن الزوجة لا تزال على عصمة زوجها المسيحي، ويجب التفريق بين زوجها الثاني وبينها شرعاً.أ.هـ
وجاء في أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب ([7]): إذا أسلم الزوجان الكافران معا قُبِل نكاحهما وأُقِرَّا عليه، أما إذا أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر، ففي المسألة تفصيل.
فإن كان الذي أسلم هو الرجل وكانت زوجته كتابية أقر نكاحهما لأنه يجوز للمسلم أن يتزوج من كتابية، وأما إن أسلم الرجل ولم تكن زوجته كتابية كأن كانت ملحدة فهذا نكاح لا يقر عليه؛ لأن الإسلام يمنع زواج المسلم من الكافرة خلا الكتابية.
وإن كان الذي أسلم هو المرأة فلا تقر على نكاحها؛ لأنه لا يجوز للمسلمة أن تبقى في عصمة كافر، سواء كان من أهل الكتاب أو من غيرهم.
دليلهم:
استدل أصحاب هذا الرأي بقوله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) [الممتحنة 10].
الاتجاه الثاني:.
ذهب المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث([8]) في قراره إلى أن هناك من العلماء من أجاز بقاء العلاقة الزوجية الكاملة بما فيها المعاشرة الزوجية مشترطاً لهذا الجواز، بقوله: إذا كان لا يضيرها في دينها وتطمع في إسلامه، وذلك لعدم تنفير النساء من الدخول في الإسلام إذا علمن أنهن سيفارقن أزواجهن ويتركن أسرهن.
وإليك نص قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث([9]) في موضوع “إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه”:
بعد اطلاع المجلس على البحوث والدراسات المختلفة في توجهاتها والتي تناولت الموضوع بتعميق وتفصيل في دورات ثلاث متتالية، واستعراض الآراء الفقهية وأدلتها، مع ربطها بقواعد الفقه وأصوله ومقاصد الشرع، ومع مراعاة الظروف الخاصة التي تعيشها المسلمات الجديدات في الغرب، حين بقاء أزواجهن على أديانهم، فإن المجلس يؤكد أنه يحرم على المسلمة أن تتزوج ابتداء من غير المسلِمِ، وعلى هذا إجماع الأمة سلفاً وخَلَفاً، أَمَّا إذا كان الزواج قبل إسلامها فقد قرر المجلس في ذلك ما يلي:
أولاً: إذا أسلم الزوجان معاً ولم تكن الزوجة ممن يحرم عليه الزواج بها ابتداء (كالمحرمة عليه حرمة مؤبدة بنسب أو رضاع) فهما على نكاحهما.
ثانياً: إذا أسلم الزوج وحده، ولم يكن بينهما سببٌ من أسباب التحريم، وكانت الزوجة من أهل الكتاب فهما على نكاحهما.
ثالثاً: إذا أسلمت الزوجة وبقي الزوج على دينه فيرى المجلس:
أ – إن كان إسلامها قبل الدخول بها فتجب الفرقة حالاً.
ب-إن كان إسلامها بعد الدخول وأسلم الزوج قبل انقضاء عدتها، فهما على نكاحهما.
ج- إن كان إسلامها بعد الدخول، وانقضت العدة, فلها أن تنتظر إسلامه ولو طالت المدة، فإن أسلم فهما على نكاحهما الأول دون حاجة إلى تجديد له.
د- إذا اختارت الزوجة نكاح غير زوجها بعد انقضاء العدة فيلزمها طلب فسخ النكاح عن طريق القضاء.
خامساً: لا يجوز للزوجة عند المذاهب الأربعة بعد انقضاء عدتها البقاء عند زوجها، أو تمكينه من نفسها. ويرى بعض العلماء أنه يجوز لها أن تمكث مع زوجها بكامل الحقوق والواجبات الزوجية إذا كان لا يضيرها في دينها وتطمع في إسلامه, وذلك لعدم تنفير النساء من الدخول في الإسلام إذا علمن أنهن سيفارقن أزواجهن ويتركن أسرهن, ويستندون في ذلك إلى قضاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في تخيير امرأة أسلمت ولم يسلم زوجها: “إن شاءت فارقته، وإن شاءت قرت عنده”, وهي رواية ثابتة عن يزيد بن عبد الله الخطمي. كما يستندون إلى رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إذا أسلمت النصرانية امرأة اليهودي أو النصراني كان أحق ببضعها لأن له عهداً, وهي أيضاً رواية ثابتة. وثبت مثل هذا القول عن إبراهيم النخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان.
وفضيلة الشيخ فيصل مولوي –رحمه الله- نائب رئيس المجلس الوربي للبحوث والإفتاء له دراسة بعنوان إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه([10]).
وهو في هذه الدراسة ينقد نتائج دراسة الشيخ عبد الله الجديع لإسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه.
ويبدأ بعرض نتائج دراسة الشيخ، ثم يشير إلى وجود نص قاطع في المسألة هو الآية (لَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) سورة البقرة 221 والآية (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) سورة الممتحنة10، لمنع استمرار التي أسلمت مع زوجها غير المسلم خلافاً لتأويل الدراسة.
ثم يفند حقيقة الإجماع بين الصحابة والتابعين حول مسألة زواج المسلمة من غير المسلم؛ حيث يؤكد على إبطال عقد النكاح، ويوضح رأي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبعض التابعين والصحابة والفقهاء في هذه المسألة، كما يتناول أدلة الشيخ الجديع على جواز بقاء المرأة بعد إسلامها مع زوجها غير المسلم، والرد على هذه الأدلة، ويخلص إلى وجوب فسخ عقد النكاح السابق إذا أسلمت الزوجة، ويتطرق لكيفية فسخه وأسباب الفسخ.
وناقشتِ المسألةَ المجامعُ الفقهية، فأوّلاً نص البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية([11])، على:
أنه إذا أسلمت المرأة وبقي زوجها على غير الإسلام حرمت المعاشرة الزوجية بينهما على الفور، وتبقى العصمة موقوفة مدة العدة: فإن أسلم فهما على نكاحهما، وإن بقي على دينه حتى انقضاء العدة فالزوجة مخيرة بين أن ترفع أمرها إلى القاضي ليفسخ نكاحها، أو أن تنتظر فيئة زوجها وتترقب إسلامه ليستأنفا نكاحهما متى فاء إلى الإسلام.. اهـ.
([1]) موقع رسالة الإسلام على الإنترنت..
([2]) انظر: فتاوى دار الإفتاء المصرية، بتاريخ 12 يوليو 1965م..
([3]).انظر: زاد المعاد (5/133-140)، المغني (10/8-10)، الشرح الممتع (10/288-291)
([5]) انظر: فتاوى درا الإفتاء المصرية بتاريخ 12 يولية 1965م.
([6]) انظر: فتاوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ جمادى الأولى سنة 1376 هجرية – 19 ديسمبر سنة= =1956م.
([7]) أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب(ص380-381).
([8]) إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه، المجلة العلمية للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث (دبلن)- مج 2, ع 2، ص ص13 – 205.
([9]) قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث رقم 3/8.
([10]) المجلة العلمية للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث (دبلن)- مج 2, ع 2، ص ص243 – 308 .
([11]) المنعقد بكوبنهاجن-الدانمارك مع الرابطة الإسلامية، في الفترة من 4-7 من شهر جمادى الأولى لعام 1425هـ الموافق 22-25 من يونيو لعام 2004م.
• مجمع الفقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية.
• الإسلام سؤال وجواب.
• موقع رسالة الإسلام.
• موقع دار الإفتاء المصرية.
• المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث.
• المجلة العلمية للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث (دبلن) مج 2, ع2.