قسم العباداتباب الزكاة

إخراج القيمة في زكاة الفطر

مسألة رقم 104

صورة المسألة

الأصل في إخراج زكاة الفطر أن يكون طعاما كما كان عليه الأمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هل يجوز إخراج قيمتها للفقير سواء كان ذلك بغير سبب أو بسبب، كحاجة الفقير للنقود أو تعذر شراء المزكي لزكاة الفطر، أو لكون إخراجها نقدا هو الأيسر جمعا وحفظا ونقلا وتوزيعا لجهات الجمع؛ كالجمعيات والمؤسسات الخيرية ونحوها([1]), أو أن ذلك لا يجوز ويجب إخرجها طعاما؟

([1]) هذا هو وجه إدراج هذه المسألة في موسوعة القضايا المعاصرة.

حكم المسألة

الفقهاء متفقون على مشروعية إخراج الزكاة من الأصناف المنصوصة (ماعدا الشعير في الوقت الحاضر وقد سبق الكلام عن حكم إخراجه مفصلا في المسألة السابقة)، واختلفوا في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر على قولين([1]):

القول الأول: عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.

واستدل أصحاب هذا القول بقول ابن عمر رضي الله عنهما : فرض رسول الله صدقة الفطر صاعا من تمر وصاعا من شعير [البخاري (1432)، ومسلم (984)].

ووجه الدلالة: أن النبي ﷺ فرض الصدقة من تلك الأنواع فمن عدل إلى القيمة فقد ترك المفروض.

واستدلوا كذلك بحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: (كنا نخرجها على عهد رسول الله صاعا من طعام وكان طعامنا التمر والشعير والزبيب والأقط). [البخاري (1435)، صحيح مسلم (985)].

ووجه الدلالة: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يخرجونها من غير الطعام، وتتابعهم على ذلك دليل على أن المشروع إخراجها طعاما.

 

واستدلوا كذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين). [أبوداود (1609)].

ووجه الدلالة: أن الطعمة تكون بما يطعم ولا تكون بالدراهم التي تقضى بها الحاجات مما يدل على أن إخراج زكاة الفطر طعاما مقصود للشارع.

وقالو: إن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين كما لو أخرجها في غير وقتها المعين. ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص فلم يجزئه كما لو أخرج الرديء مكان الجيد. ولأن إخراج زكاة الفطر من الشعائر فاستبدال المنصوص بالقيمة يؤدي إلى إخفائها وعدم ظهورها.

وقد صدر بهذا قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم (144) وجاء فيه: (يرى المجلس بالإجماع عدم إخراج القيمة في زكاة الفطر وأن تخرج طعاما كما فرضها رسول الله ﷺ، وثبت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ ، وجرى العمل على ذلك؛ لأن زكاة الفطر عبادة وقد بين النبي ﷺ ما تخرج منه وهو الطعام، ولا شك أن الفقراء والمساكين في عهد النبي ﷺ وعهد خلفائه الراشدين كان منهم من يحتاج إلى كسوة ولوازم أخرى سوى الأكل؛ لكثرتهم وكثرة السنوات التي أخرجت فيها زكاة الفطر، ومع ذلك لم يعرف عن النبي ﷺ أنه اعتبر اختلاف نوع الحاجة، ففرض لكل ما يناسب حاجته من طعام أو كساء أو غير ذلك، ولم يعرف ذلك أيضا عن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم ؛ بل كان المعروف عن الجميع إخراج زكاة الفطر من الطعام، وخير للأمة التأسي بالنبي ﷺ وبخلفائه في ذلك. والفقير الذي يلزمه شيء غير الطعام في إمكانه أن يتصرف فيما يدفع إليه من الطعام حسبما تقتضيه حاجته ومصلحته).

وقد صدر بهذا القول فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية رقم (13231) وجاء فيها: – (لا يجوز إخراج زكاة الفطر نقودا؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب إخراجها طعاما، ولا يجوز العدول عن الأدلة الشرعية لقول أحد من الناس، وإذا دفع أهل الزكاة إلى الجمعية نقودا لتشتري بها طعاما للفقراء وجب عليها تنفيذ ذلك قبل صلاة العيد، ولم يجز لها إخراج النقود).

 

القول الثاني: جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر مطلقا وهو مذهب الحنفية.

واستدل أصحاب هذا القول بأن الواجب إغناء الفقير لقوله ﷺ : (أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم) [الدار قطني في سننه (67) وضعفه الزيلعي في نصب الراية (2/522)]، والإغناء يحصل بالقيمة لأنها أقرب إلى دفع الحاجة.

واستدلوا أيضا بأن الأصل في الصدقة المال، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) [التوبة: 103]، والمال في الأصل ما يملك من الذهب أو الفضة، وبيان الرسول ﷺ للمنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج لا لحصر الواجب.

وقالوا: إذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان، فجوازها في الزكاة المفروضة على الرقاب – زكاة الفطر – أولى؛ لأن الشرع أوجب الزكاة في عين الحب والتمر والماشية والنقدين كما في حديث معاذ رضي الله عنه الذي قاله له النبي ﷺ فيه لما بعثه إلى اليمن: (خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقر) [رواه أبو داود (1599)]، ولما كان الحال كذلك اقتضت حكمة الشرع البالغة أمر الناس في عهد النبوة بإخراج الطعام ليتمكن جميعهم من أداء ما فرض عليهم ولا يحصل لهم فيه عسر ولا مشقة، وذلك لأن النقود كانت نادرة الوجود في تلك الأزمان ببلاد العرب ولا سيما البوادي منها وخصوصا الفقراء، فلو أمر بإعطاء النقود في الزكاة المفروضة على الرؤوس لتعذر إخراجها على الفقراء بالكلية ولتعسر على كثير من الأغنياء الذين كان غناهم بالمواشي والرقيق والطعام، أما الطعام فإنه متيسر للجميع ولا يخلو منه منزل إلا من بلغ به الفقر منتهاه فكان من أعظم المصالح وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسر إخراجه إلى الطعام المتيسر وجوده وإخراجه لكل الناس.

وقالوا: إن النبي ﷺ غاير بين القدر الواجب من الأعيان المنصوص عليها مع تساويها في كفاية الحاجة وسد الخلة، فأوجب من التمر والشعير صاعا ومن البر نصف صاع وذلك لكونه أعلى ثمنا لقلته بالمدينة في عصره فدل على أنه اعتبر القيمة ولم يعتبر الأعيان إذ لو اعتبرها لسوى بينها في المقدار.

وقد أخذ بهذا القول مجمع الفقه الإسلامي بالسودان حيث جاء في بيان له حول هذه المسألة: (إن الأصل في زكاة الفطر إخراجها عيناً من غالب قوت أهل البلد، وهو القمح وفي بعض الولايات الذرة، فيكفي الربع لثلاثة أشخاص. ويجوز رعاية لمنفعة المساكين إخراج القيمة..)([2])، وأخذ به كذلك المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث حيث جاء في قراره رقم (6/20): – (يجوز إخراج القيمة النقدية في زكاة الفطر، وذلك يستلزم مراعاة تغير الأسعار حسب اختلاف الزمان والمكان)([3]).


([1]) الإجماع لابن المنذر ص(56), المبسوط (3/107)، المدونة (1/392), المجموع (6/112), المغني (4/295),, مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/82).

([2]) موقع مجمع الفقهى بالسودان على الشبكة العالمية (الأنترنت) http://aoif.gov.sd/ao/modules/news/index.php،

([3]) قرارات المجلس الأوربي لإفتاء والبحوث، قرار رقم (6/20).

المراجع

1. تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص(59, 97, 101, 114).
2. فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبدالله أبوزيد (1/905-912).
3. قرارات المجلس الأوربي لإفتاء والبحوث، قرار رقم (6/20).
4. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (18/265, 278, 285).
5. موقع مجمع الفقهى بالسودان على الشبكة العالمية (الأنترنت) http://aoif.gov.sd/ao/modules/news/index.php،
6. نوازل الزكاة للغفيلي ص(515-526).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى