إسقاط جنين لحامل مصابة بالإيدز.
قد تنتقل العدوى من الأم المصابة بالإيدز إلى جنينها بإحدى الطرق الآتية:
1- عبر ماء الزوجة أو الزوج، فتحصل إصابة الجنين بفيروس الإيدز مبكراً.
2- عبر دم الأم المنتقل إليه من المشيمة، ومنها إلى الحبل السري.
3- عبر الولادة، فنزوله من رحم الأم المصابة، ووقوع الإفرازات المهبلية عليه قد يكون سبباً في إصابته( ).
فإذا غلب على الظن إصابة أم الجنين بهذا المرض فهل يكون ذلك مسوغاً شرعياً لجواز إجهاض جنينها؟
قبل بيان ما ذكره الفقهاء المعاصرون عن إجهاض المرأة المصابة بالإيدز لابد من التفريق بين مرحلتي ما قبل النفخ وما بعده.
أولاً: في مرحلة ما قبل نفخ الروح:
اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم إجهاض حمل المرأة المصابة بالإيدز على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجوز إجهاضه، وهو قول الأكثر ([1]).
القول الثاني: أنه يجوز إجهاضه في مرحلة النطفة دون غيرها، وهو قول بعض الفقهاء ([2]).
القول الثالث: أنه يجوز إجهاضه، وهو قول بعضهم الآخر ([3]).
أدلة أصحاب القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول على عدم جواز إجهاض جنين الأم المصابة بالإيدز قبل نفخ الروح فيه بالأدلة التالية:
- أنه ثبت عند الأطباء أن نسبة إصابة الجنين – وهو في داخل الرحم – بالعدوى ضئيلة (10%)، وأن معظم حالات العدوى للجنين تحدث في أثناء الولادة عن طريق نزول الجنين من الرحم إلى المهبل، وتلوثه بالمفرزات المهبلية، وبنسبة (30%). فلا يجوز إجهاض جنين المصابة بالإيدز في هذه الحال ([4]).
- أن أصل الإنسان من نطفة أمشاج، تنتقل من مرحلة إلى مرحلة، وهي حية، فيحرم العدوان عليها قياساً على تحريم الاعتداء على بيض الصيد في الحرم([5]).
ونوقش: بأن الحياة للبويضة الملقحة حياة خلوية غير معتبرة، كحياة كثير من الكائنات الحية الموجودة كالنباتات، وكريات الدم ونحوهما، وبالتالي فإجهاضه لا يحرم([6]).
- أنه بناءً على أن بدء الحياة يكون من التلقيح، وأن الحمل منذ اللحظات الأولى له احترامه المتفق عليه فلا يجوز إجهاض جنين المصابة بالإيدز، خصوصاً أن إجهاضه لن ينقذ أمه مما هي فيه، وإصابته بالمرض مسألة علمها عند الله، وأما مجرد الخوف من إصابته بالمرض فلا يجيز العدوان عليه([7]).
- أن إجهاض المرأة المصابة بالإيدز قد تعارضت فيه مفسدة إسقاطه حتى لا يولد مصاباً بالمرض، ومصلحة إبقائه وحياته – وإن كان سيولد مريضاً – وحيث إنه لا يمكن تحصيل المصلحة ودرء المفسدة، فإن مصلحة إبقائه أرجح من مفسدة إسقاطه، لاحتمال علاجه وشفائه([8])، وقواعد الشرع تقضي بأنه إذا تعارضت مصلحة ومفسدة في عمل معين، ولم يمكن تحصيل المصلحة ودرء المفسدة، وكانت المصلحة أعظم من المفسدة قدمت المصلحة.
- أن مرض الجدري وبعض صور الحمى والجذام ميؤوس منها، واحتمال إصابة جنين المرأة الحامل المصابة بها وارد، ومع ذلك لم يقل الرسول – عليه الصلاة والسلام- ولا الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولا الأئمة بإجهاض المرأة المريضة بواحد من تلك الأمراض([9]).
- أن إجهاض جنين المرأة المصابة بالإيدز قبل نفخ الروح فيه تفويت لانعقاد حياته، وهذا اعتراض على إرادة الله وحكمته([10]).
- أنه يمكن بالتقنية العلمية معرفة حالة الطفل، ومدى إصابته، بل يمكن معالجة الجنين وإجراء العمليات له([11]). وهذا يؤكد عدم جواز إجهاضه بسبب إصابة أمه.
- أن من أجاز إجهاض جنين المرأة المصابة بالإيدز أجازه للخوف من تدهور حالة الأم الصحية، ولا يعد هذا السبب مسوغاً لإجهاضه، لأن هذا لن يساعد على تحسن حالة الأم، ولإمكان رعايتها صحياً([12]).
دليل القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني على جواز إسقاط جنين المصابة بالإيدز في مرحلة النطفة: بأن الجنين لم تنفخ فيه الروح، وحيث إن جمهور الفقهاء أجازوا إجهاض الجنين عموماً في مرحلة النطفة، فيجوز إجهاض هذا الجنين من باب أولى([13]).
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب القول الثالث على جواز إجهاض جنين المصابة بالإيدز قبل نفخ الروح فيه بما يلي:
- أن حياة الجنين المصاب بالإيدز غير مكتملة قبل الولادة وبعدها، فهذا المرض يلازم صاحبه حتى الموت، وحينئذ فلا بأس من إسقاط الجنين الذي تحققت إصابته بهذا المرض([14]).
- أن الفقهاء أجازوا الإجهاض قبل نفخ الروح بدون عذر، فإذا وجد العذر جاز الإجهاض من باب أولى([15]).
- أن المرأة المصابة بالإيدز إذا استمر بها الحمل تدهورت صحتها، وظهر المرض بها سريعاً([16]).
ثانياً: إجهاض الجنين في مرحلة ما بعد نفخ الروح:
يحرم إجهاض جنين المصابة بالإيدز بعد نفخ الروح فيه ([17]). وذلك لما يلي:
- أن إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه لمجرد احتمال إصابته بمرض أمه قتل له، خصوصاً أن الأطباء – كما سبق – بينوا أن نسبة إصابته بالمرض وانتقال العدوى إليه ضئيلة([18]).
- أنه إذا كانت المرأة المصابة فعلاً بالإيدز لا يجوز قتلها لليأس من حياتها، فعدم جواز قتل جنين تحتمل إصابته من باب أولى([19]).
– مجمع الفقه الإسلامي في دورته التاسعة، 1415هـ. (قرارات وتوصيات المجمع ص205 – 206).
– المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية. (رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز ص555).
وانظر قضايا طبية د. عبد الفتاح إدريس ص 115، 116 الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز د. عمر الأشقر (بحث في دراسات فقهية 1/87).
([2]) الأمومة ومرض الإيدز د. محمد الأشقر في رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز ص 304.
([3]) رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز ص 184، 335. ( حيث قال بهذا خليل الميس، ود. هيثم خياط، ود. محمد حلمي، وغيرهم).
([4]) حكم الإجهاض د. محمد عبد السلام أبو النيل، في رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز ص 267، وعلاقة المريض مع أسرته د. سعود الثبيتي، ضمن بحوث الرؤية السابق ص245.
([5]) حكم الإجهاض د. محمد عبد السلام، البحث السابق ص268.
([6]) وردت هذه المناقشة في رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز ص335.
([7]) الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز د. عمر الأشقر، في دراسات فقهية1/66، 67.
([8]) قضايا طبية من منظور إسلامي د. عبد الفتاح إدريس ص115.
([9]) رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز د. حمداتي ماء العينين ص 334
([10]) الأسرة ومرض الإيدز د. جاسم علي سالم. (بحث) في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد9، 4/486.
([12]) حكم الإجهاض د. محمد أبو النيل، ضمن بحوث الرؤية ص269. وهو دليل للدكتور سعود الثبيتي في رؤية إسلامية السابق ص339.
([13]) الأمومة ومرض الإيدز د. محمد سليمان الأشقر، ضمن بحوث الرؤية ص 304.
([14]) الرؤية الإسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز للشيخ خليل الميس ضمن بحوث الرؤية ص184.
([15]) المصدر السابق، وبحث د. الفرفور في مجلة المجمع عدد 9/ 4/15.
([16]) بحث د. البار في مجلة المجمع السابقة عدد 9، 4/66-67.
([17]) حيث صدرت الفتوى من المجامع الفقهية، والمنظمات التالية :
– مجمع الفقه الإسلامي في دورته التاسعة، 1415هـ. (مجلة المجمع، عدد9، 4/697).
– المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية. (رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز ص555).=
=وانظر: الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز د. عمر الأشقر في دراسات فقهية 1/67.
([18]) علاقة المريض مع أسرته د. سعود الثبيتي من ضمن بحوث الرؤية ص 245، والأمومة ومرض الإيدز د. محمد سليمان الأشقر من ضمن البحوث الرؤية ص 304، 305
([19]) دليل الموقف الشرعي في مرض النقص المناعي لمحمد هادي اليوسفي في الرؤية ص321.
1. الأسرة ومرض الإيدز د. جاسم علي سالم، (بحث) في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد9، 4/486.
2. بحث د. الفرفور في مجلة المجمع عدد 9/ 4/15.
3. بحث د. البار في مجلة المجمع عدد 9، 4/66-67.
4. الأسرة ومرض الإيدز د. جاسم علي سالم. من ضمن بحوث مجلة المجمع، 4/486.
5. مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة، 1415هـ. (مجلة المجمع، عدد9، 4/697).
6. فتاوى ابن عثيمين، اللقاء الشهري، 2/160.
7. الإيدز وباء العصر، د. البار ود. محمد صافي ص72 – 73.
8. الأمراض الجنسية والتناسلية، د. كاظم عايش ص 97,96.
9. حكم الإجهاض، د. محمد أبو النيل، (ضمن بحوث دليل الدكتور سعود الثبيتي في رؤية إسلامية).
10. أحكام الإجهاض في الفقه الإسلامي، د. إبراهيم محمد قاسم الميمن، ط: إصدارات الحكمة، الطبعة الأولى، بريطانيا، 1423هـ
11. الأمومة ومرض الإيدز د. محمد سليمان الأشقر (ضمن بحوث دليل الدكتور سعود الثبيتي في رؤية إسلامية)، نسخة إلكترونية.
12. ” أحكام الهندسة الوراثية “، رسالة الدكتوراه في الفقه، د/ سعد بن عبد العزيز بن عبد الله الشويرخ، كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، دار كنوز إشبيلية، الرياض، الطبعة الأولى، 1428هـ.
13. الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز، د. عمر الأشقر في دراسات فقهية، نسخة إلكترونية.
14. دليل الموقف الشرعي في مرض النقص المناعي لمحمد هادي اليوسفي (ضمن بحوث دليل الدكتور سعود الثبيتي في رؤية إسلامية)، نسخة إلكترونية.
15. الرؤية الإسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز للشيخ خليل الميس (ضمن بحوث دليل الدكتور سعود الثبيتي في رؤية إسلامية)، نسخة إلكترونية.
16. مشكلة الإجهاض، دراسة فقهية مقاصدية للدكتورة فريدة زوزو، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد السابع والستون، السنة السابعة عشرة، جمادى الآخرة 1426هـ، ص 226.