الجنين يمر بمرحلة حساسة جدا في الخمسة والأربعين يوما الأولى من حياته، قابلة للتأثر لدى إصابته بأي مؤثر خارجي أو داخلي، والتي قد تفسد تكوينه تماما، أو تعطل جزءا من حركة النمو والتكوين كظهور الأطراف والأعضاء، إلا أن هذا لا يعني أن الأجنة لا تصاب في الأسابيع الأخيرة من الحمل، بل قد يحدث ذلك ولكن باحتمال أقل وبشكل أخف.
أسباب تشوه الأجنة:
يذكر الأطباء أنه يمكن تقسيم العوامل التي تصاب بها الأم فتؤثر على حياة الجنين إلى قسمين:
الأول: العوامل الخارجية:كتعرض الأم لبعض الأمراض في الأسابيع الأولى من الحمل مثل الحصبة الألمانية، أو تناول بعض الأدوية والعقاقير التي تؤثر على تكون الجنين، أو التعرض للمواد المشعة، ونحو ذلك.
الثاني: العوامل الداخلية: وهي العوامل التي تكون موجودة في الجذور الأولى للجنين (الحيوان المنوي والبويضة) ويرجع السبب فيها إلى الوراثة.
أنواع التشوهات الخلقية:
يمكن تقسيم التشوهات التي تصيب الجنين إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: تشوهات خلقية كبيرة تقضي على حياة الجنين مبكرا، وبالتالي يجهض الحمل في مراحله الأولى تلقائيا في كثير من الحالات تصل إلى نسبة 70% من الحالات المشوهة
المجموعة الثانية: تشوهات خلقية كبيرة، تصيب الجهاز العصبي وروافده، أو القلب والأوعية الدموية، وجدار البطن، أو الجهاز البولي…الخ
وبعض هذه التشوهات تكون واضحة بحيث يمكن رؤيتها والجنين لا يزال في داخل الرحم، وتكون ظاهرة للعيان حين الولادة، وبعضها يقضي على حياة الجنين داخل الرحم أو حين الولادة، ولا يمكن للحياة أن تستمر معها مثل نقص نمو الجمجمة، أو المخ، أو انسداد القصبة الهوائية، وبعضها يمكن للطفل أن يواصل الحياة بها، ولكنها تتطلب عناية فائقة، وهو بتلك التشوهات يعيش حياة معطلة معتمدا على الغير.
المجموعة الثالثة: تشوهات لا تعطل الحياة، ولا تقضي على الأجنة، ويمكن للطفل أن يعيش بها، ويمكن معالجة بعضها، كخلل الإنزيمات، وخلل المناعة، أو خلل تخثر الدم، وعمى الألوان، وثقب القلب أو نقص نمو الدماغ (التخلف العقلي).
بعد أن عرفنا أنواع التشوهات التي تصيب الحمل ومصيره مع كل نوع فما حكم إجهاض الأجنة التي يكون بها تشوه بالغ لا تجدي فيه المعالجة ويعيش معها حياة صعبة معتمدًا على غيره؟
اتفق العلماء على تحريم إجهاض هذا النوع من الأجنة المشوهة تشويها بالغا بعد مرور مائة وعشرين يوما أي بعد نفخ الروح فيها إلا إذا كان في استمراره خطر على حياة الأم دفعا؛ لأعظم الضررين.
وذلك لأن الجنين بعد نفخ الروح فيه أصبح نفسا يجب صيانتها والمحافظة عليها سواء كانت سليمة من الآفات أو كانت مصابة بشيء منها، وسواء رجي شفاؤها أو لا، لأن لله في خلقه حكمالا يعلمها إلا هو.
أما قبل نفخ الروح، أي قبل المائة والعشرين يوما فقد اختلف الفقهاء في حكم إجهاض هذا النوع من الأجنة المشوهة على قولين:
القول الأول: جواز ذلك إذا ثبت تشوه الجنين تشوهًا كبيرًا وكان ذلك بصورة قاطعة لا تقبل الشك من خلال لجنة طبية موثوقة.
وذلك لما قد يلحقه من صعوبات في حياته، وما يسببه لذويه من حرج وحزن وألم، وللمجتمع من أعباء وتكاليف لرعايته والاعتناء به.
القول الثاني: عدم جواز إجهاض هذا النوع من الأجنة المشوهة مهما بلغ قدر التشوه.
وذلك لأن في ولادتهم بهذه الحالة عظة للمعافين، ومعرفة لقدرة الله، كما أن في قتلهم وإجهاضهم نظرة مادية صرفة لا تعير الأمور الدينية والمعنوية أية نظرة.
1ـ أحكام الجنين في الفقه الإسلامي، لعمر محمد غانم.ط. دار الأندلس الخضراء،جدة، 1421هـ.
2ـ أحكام الإجهاض في الفقه الإسلامي، لإبراهيم رحيم، ط. مجلة الحكمة، سلسلة إصدارات الحكمة رقم 13
3ـ الإجهاض أحكامه وآثاره، د. عبدالرحمن بن حسن النفيسة.
4ـ الإجهاض دراسة فقهية مقاصدية، د. فريده زوزو.
5ـ الإجهاض أحكامه وآثاره، لخالد قرقور.
6ـ الجنين المشوه والأمراض الوراثية، د. محمد علي البار.
7ـ الإجهاض ونظرة الإسلام إليه د. أحمد الغزالي.
8ـ التعقيم والإجهاض، د. محمد سلامه مدكور.
9ـ الإجهاض العمد، د. حسان حتحوت.
10. تنظيم النسل وموقف الشريعة منه، د. عبدالله الطريقي.ط.1 1403هـ.
11ـ قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي.
12ـ فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، رقم (2484)،في 16/7/1399هـ.
13-مشكلة الإجهاض، دراسة طبية فقهية، د.محمد علي البار، الدار السعودية – جدة، ط2- 1407هـ
14-حكم الإجهاض في الفقه الإسلامي، د. محمد نعيم ياسين، ضمن كتاب (أبحاث فقهيفي قضايا طبية معاصرة)، دار النفائس – الأردن، ط4، 1428هـ