قسم العباداتباب الصلاة

أوقات الصلوات في البلدان التي يستمر فيه النهار أو يطول

مسألة رقم 23

العناوين المرادفة

صلاة أهل القطبين.
الصلاة في المناطق التي لا يغيب فيها الشفق.
الصلاة في البلاد التي ينعدم فيها النهار.
حكم البلاد التي لا يغيب فيها الشفق.

صورة المسألة

تعرف المناطق الواقعة بين خطي عرض (45) درجة و(68) درجة اختلافا في تعاقب الليل والنهار كلما اتجهنا شمالا أو جنوبا عما هو معهود في بقية الكرة الأرضية، فأقصاها أن يمتد الليل ستة أشهر في القطب الشمالي، ويمتد النهار ستة أشهر في القطب الجنوبي، ثم ينعكس الوضع في الستة أشهر التالية، فتكون فيهما السنة كيوم، وفي بعض البلاد يطول الليل جدا ويقصر النهار، أو العكس، وقد قسمها العلماء وفق موقعها الجغرافي إلى المناطق التالية:
تنقسم البلدان ذات الدرجات العالية إلى ثلاث منطق :
المنطقة الأولى: البلدان التي تقع بين خطي العرض (45) و(48) شمالا وجنوبا، وهذه البلدان تظهر فيها العلامات الكونية للأوقات في اليوم والليلة طالت الأوقات أو قصرت .
المنطقة الثانية: البلدان التي تقع بين خطي العرض (48) و(66) شمالا وجنوبا، وهذه البلدان تنعدم فيها بعض العلامات الكونية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق حتى يتداخل مع وقت الفجر تقريبا.
المنطقة الثالثة: البلدان التي تقع فوق خط عرض (66) شمالا وجنوبا إلى القطبين وتنعدم فيها العلامات الكونية للأوقات في فترة طويلة من السنة نهارا أو ليلا.
فما الواجب على أهل تلك المناطق من المسلمين عند اختفاء أمارات دخول أوقات الصلوات؟

حكم المسألة

فقد بحثت المجامع الفقهية وهيئات الفتوى في كثير من البلدان الإسلامية هذه المسألة، ويمكن تلخيص ما انتهوا إليه فيما يلي:

المنطقة الأولى: وهي التي تتميز فيها العلامات الظاهرة للأوقات وإن طال النهار جدا في زمن وقصر جدا في زمن آخر، فقد اختلف العلماء في الواجب عليهم على اتجاهين:

الاتجاه الأول: أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية، وأنه لا يجوز الجمع بين الصلوات إلا لعذر شرعي، وبه صدر قرار المجمع الفقهي([1])، وهيئة كبار العلماء([2])، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء([3])، وهو اختيار الشيخ ابن باز([4])، وابن عثيمين([5]).

الاتجاه الثاني: يجوز الجمع بين المغرب والعشاء صيفا؛ لقصر الليل جدا، وبين الظهر والعصر شتاء؛ لقصر النهار جدا، وبه صدر قرار المجلس الأوربي للإفتاء في دورته الثالثة([6]).

 

المنطقة الثانية: وهي البلدان التي تقع بين خطي العرض (48) و(66) شمالا وجنوبا، وتنعدم في هذه المناطق بعض العلامات الكونية، وأشهرها تداخل وقتي العشاء والفجر.

والحكم هنا أن تصلى الصلوات التي يتميز وقتها في أوقاتها الشرعية، أما التي تختفي علاماتها أو تتداخل فللمعاصرين فيها خمسة اتجاهات:

الاتجاه الأول: التقدير النسبي بوقت أقرب البلاد إليهم، وذلك بأن ينظر إلى أقرب بلد إليهم تتمايز فيه الأوقات، فينظر كم بين المغرب والعشاء، ويجعل ذلك الوقت هو الفارق بين غروب الشمس عندهم ودخول وقت العشاء، وبه صدر قرار المجمع الفقهي([7])، وهيئة كبار العلماء([8])، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء([9])، وإدارة الإفتاء بالكويت([10])، جاء في قرار المجمع: “والحكم في المنطقة الثانية أن يعيّن وقت صلاة العشاء والفجر بالقياس النسبي على نظيريهما في ليل أقرب مكان تتميّز فيه علامات وقتي العشاء والفجر، ويقترح مجلس المجمع خط (45ْ) باعتباره أقرب الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز، فإذا كان العشاء يبدأ مثلاً بعد ثلث الليل في خط عرض (45ْ) درجة يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر”.

 

الاتجاه الثاني: التقدير المطابق لتوقيت أقرب البلاد، وذلك بأن يتابع أهل هذه البلاد المواقيت المتبعة في أقرب بلد إليهم تتمايز فيه الأوقات الشرعية، وبه صدرت توصيات ندوة الأهلة والمواقيت والتقنيات الفلكية([11])، حيث جاء فيها: “في البلاد التي لا تتمايز فيها الأوقات كالعشاء والفجر؛ لعدم غيبوبة الشفق، أو عدم غروب الشمس، أو عدم طلوع الفجر، يؤخذ لتحديد أوقات الصلوات التي اختفت علاماتها بمبدأ التقدير المطابق، بأن يجري على تلك البلاد توقيت أقرب بلد تتمايز فيه تلك الأوقات”.

 

الاتجاه الثالث: التقدير بناء على آخر يوم غابت فيه العلامات، فيتم اعتماد توقيت آخر يوم ظهرت فيه علامتا العشاء والفجر، ويظل هذا التوقيت معتمدا حتى ظهور العلامات من جديد، وبه صدر قرار المجمع الفقهي في دورته الخامسة بمكة المكرمة سنة 1982م([12])، حيث جاء فيه: “البلاد التي لا يغيب فيها شفق الغروب حتى يطلع الفجر، بحيث لا يتميز شفق الشروق من شفق الغروب، ففي هذه الجهات يقدر وقت العشاء الآخرة، والإمساك في الصوم، ووقت صلاة الفجر بحسب آخر فترة يتمايز فيها الشفقان”.

 

الاتجاه الرابع: اعتماد الشفق المدني بديلا عن الشفق المعتاد، وينضبط هذا عندما يكون قرص الشمس واقعا تحت الأفق بـ(12) درجة، بينما العلامة الشرعية في البلاد المعتدلة عندما يكون قرص الشمس تحت الأفق بـ(18) درجة.

وعليه فوقت العشاء يحدد عند الدرجة (12) بعد غروب الشمس، ووقت الفجر يحدد عند الدرجة (12) قبل الشروق.

وهو ما عليه اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا([13])، واختاره بعض الباحثين([14]).

 

الاتجاه الخامس: الجمع بين المغرب والعشاء عند انعدام أمارة الشفق، وبه صدر قرار المجلس الأوروبي للإفتاء في دورته الثالثة([15])، واختاره بعض الباحثين أيضا([16]).

 

المنطقة الثالثة: البلدان التي تقع فوق خط عرض (66) شمالا وجنوبا إلى القطبين وتنعدم فيها العلامات الكونية للأوقات في فترة طويلة من السنة نهارا أو ليلا، وهذه قد يستمر الليل فيها ستة أشهر، والنهار كذلك، وقد يستمر لفصل كامل أو بضعة أسابيع من العام.

وقد اختلف المعاصرون في الواجب في حق هؤلاء على اتجاهين:

الاتجاه الأول: التقدير النسبي بوقت أقرب البلاد إليهم، وبه صدر قرار المجمع الفقهي([17])، وهيئة كبار العلماء([18])، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء([19])، وإدارة الإفتاء بالكويت([20])، جاء في قرار الهيئة: “ثانيا: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً، ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، يجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض…” اهـ.

 

الاتجاه الثاني: التقدير المطابق لتوقيت أقرب البلاد، وذلك بأن يتابع أهل هذه البلاد المواقيت المتبعة في أقرب بلد إليهم تتمايز فيه الأوقات الشرعية، وبه صدرت توصيات ندوة الأهلة والمواقيت والتقنيات الفلكية([21]).

ومن أهل العلم من يرى ربط التقدير النسبي أو المطابق بمكة المكرمة([22]).


([1]) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي، قرار رقم(2/12).

([2]) قرارات هيئة كبار العلماء (4/435)، قرار رقم (61).

([3]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث (6/ 132ـ138، و143)

([4]) مجموع فتاوى ابن باز (10/390).

([5]) مجموع فتاوى ابن عثيمين (12/206).

([6]) قرارات وفتاوى المجلس الأوربي لللإفتاء والبحوث، المجموعتان الأولى والثانية، ص(109).

([7]) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي، قرار رقم(2/12).

([8]) قرارات هيئة كبار العلماء (4/435)، قرار رقم (61).

([9]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث (6/ 132ـ138، و143)

([10]) مجموع الفتاوى الشرعية، فتوى (111).

([11]) توصيات ومقترحات ندوة الأهلة والمواقيت والتقنيات الفلكية، ص(310).

([12]) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي قرار (2/12).

([13]) موقع اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا.

([14]) مواقيت الفجر والعشاء في المناطق الفاقدة للعلامات الشرعية، فيصل مولوي ص(352).

([15]) قرارات وفتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء ص(109).

([16]) بيان حكم صلاة العشاء في بريطانيا حين يفتقد وقتها، عبدالله الجديع، ص(319).

([17]) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ، قرار رقم(2/12).

([18]) قرارات هيئة كبار العلماء (4/435)، قرار رقم (61).

([19]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث (6/ 132ـ138، و143)

([20]) مجموع الفتاوى الشرعية، فتوى (111).

([21]) توصيات ومقترحات ندوة الأهلة والمواقيت والتقنيات الفلكية، ص(310).

([22]) فتاوى محمد رشيد رضا (6/2577-2578).

المراجع

1. الحلول الشرعية للمناطق الفاقدة لبعض أوقات الصلاة، عبدالستار أبوغدة، مجلة المجلس الأروبي للإفتاء، ع6.
2. فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبدالله أبوزيد، ص(383).
3. فقه النوازل للجيزاني (2/160).
4. فقه النوازل للأقليات المسلمة، محمد يسري إبراهيم، ص(471).
5. قرارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، المجموعتان الأولى والثانية، ص(109).
6. قرارات مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، قرارات مؤتمر كندا قرار رقم 12.
7. قرارات المجمع الفقهي بمكة المكرمة القرار رقم (2/12).
8. قرارات هيئة كبار العلماء (4/435).
9. مجموع فتاوى ابن باز، (10/394).
10. مجموع فتاوى ابن عثيمين، (12/206).
11. معرفة أوقات العبادات عن طريق الظواهر الكونية، خالد بن علي المشيقح.
12. مواقيت الفجر والعشاء في المناطق الفاقدة للعلامات، فيصل مولوي.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى