قسم العباداتباب الطهارة

أثر القسطرة البولية والشرج الصناعي([1])

مسألة رقم 14

صورة المسألة

قد يصاب الإنسان بمرض في أحد المخرجين، القبل أو الدبر، ويتعذر معه إخراج البول أو الغائط، أو قد يصاب ببعض الأمراض الباطنية، كأمراض الأمعاء التي يستلزم علاجها منع مرور البراز عبر جزء من الأمعاء، أو أمراض المسالك البولية، ومن ثم يضطر الطبيب إلى إحداث فتحة خارجية، يوصلها بأنبوب خاص يخرج معه البول أو البراز إلى كيس، ويتوقف عندها خروج البول والغائط من مخرجهما الطبيعي.
فما أثر ذلك على الطهارة؟ وهل تصح صلاة المريض وهو حامل للأكياس التي تتجمع فيها النجاسة؟

حكم المسألة

أكثر من تكلم على هذه المسألة خرّجها على المستحاضة التي لا ينقطع عنها الدم، أو صاحب سلس البول، وهي المسألة المعروفة بصاحب الحدث الدائم، وخلاف العلماء فيها طويل.

وبين الصورتين فيما يظهر خلاف، ذلك أن المستحاضة تأتيها حيضتها، فعادتها ثابتة، يأتيها دم الحيض وينقطع، والدم الخارج منها باستمرار ليس حدثا في ذاته، ومثله صاحب سلس البول، فهو يتبوَّل التبوُّل الاعتيادي عند الناس، ولكن تخرج منه قطرات باستمرار، وخروج الدم والبول هنا من مخرجهما المعتاد.

أما صاحب القسطرة البولية والشرج الصناعي، فينقطع عنه خروج البول أو البراز من مخرجه العادي، ويخرج من الفتحة الجديدة.

فتتشابه الصورتان في أن خروج الخارج بغير إرادة منهما ولا تحكم لهما فيه.

وتختلفان في أن المستحاضة وصاحب السلس لهما حدث معتاد تنتقض به الطهارة، بخلاف صاحب القسطرة والشرج الصناعي، فصاحب القسطرة ينقطع عنده البول من مخرجه المعتاد، وكذلك صاحب الشرج الصناعي.

وتأسيسا على ما سبق، فقد اختلف المعاصرون في الواجب في حق صاحب القسطرة والشرج الصناعي على اتجاهين:

الأول: أن الواجب في حقهما الوضوء لوقت كل صلاة فريضة، ويصلي بوضوئه ذاك ما شاء من النوافل، إلى أن يدخل وقت الفريضة الأخرى، فإذا خرج وقت المفروضة أو أحدث حدثا آخر فقد انتقضت طهارته، وعليه الشيخان ابن عثيمين([2])، وابن جبرين([3])، وكثير من المعاصرين([4]).

ووجهه: القياس على المستاحضة، وقد أمرها النبي ﷺ بذلك، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيشٍ إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي. قال أبومعاوية في حديثه: وقال: توضئي لكل صلاةٍ حتى يجيء ذلك الوقت). [رواه بهذا اللفظ الترمذي (116)، وهو عند البخاري (228) وفيه بدل قال أبومعاوية: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة].

 

الاتجاه الثاني: أنه لا يجب عليهما الوضوء لكل صلاة إلا أن ينتقض وضوؤهما بناقض آخر معتاد، فصاحب القسطرة لا ينتقض وضوؤه إلا بالنوم مثلا أو بخروج الريح أو الغائط، ومثله صاحب الشرج الصناعي لا ينتقض وضوؤه إلا بالنوم أو خروج البول أو المذي من مخرجه المعتاد، أو حصول أي ناقض آخر معتاد، واختاره بعض الباحثين([5]).

ووجهه: القياس أيضا على المستحاضة، ودليلهم حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيشٍ إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي). [رواه مسلم (333)]، قالوا: وجملة: (توضئي لكل صلاة) ليست من كلام النبي ﷺ ، بل هي مدرجة من كلام الراوي.

وعلى كلا القولين ما حكم الصلاة والنجاسة في الكيس المخصص لها؟

لا يختلف العلماء في مشروعية إزالة النجاسة عن بدن المصلي وثوبه ومكان صلاته، وإن اختلفوا في حكمه وأثره.

والمريض الذي وضعت له قسطرة بولية أو شرج صناعي لا ينفك حاله عن حمل النجاسة في الكيس الموصول بالأنبوب حيث تتجمع الفضلات قبل طرحها.

والمرضى الذين توضع لهم هذه الأكياس بعد خروجهم من العمليات الجراحية مؤقتا، تخفيفا عنهم ودفعا لمشقة القيام والذهاب إلى الحمام، أو منعا لهم من الحركة، يصلون بها، للعذر وعدم القدرة على إزالتها كل وقت.

أما المرضى الذين يطول استعمالهم لهذه الأكياس بسبب بعض الأمراض المزمنة، أو يقضى عليهم باستعمالها أبدا، فالذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنه يشرع في حقهم إفراغ تلك الأكياس من البول أو البراز كلما هم بالوضوء للصلاة، لعدم المشقة، وسهولة تغيير الكيس القديم بجديد، أو إفراغه من محتواه، فبعض الأكياس مزودة بفتحة من الأسفل محكمة الغلق، تستخدم لإفراغ الكيس مما فيه.

أما إذا كان المريض لا يستطيع إزالة هذا الكيس إلا بمشقة عليه، أو بتكاليف مادية لا يطيقها، إذ بعض هذه الأكياس تباع الحبة الواحدة منها بعشرة ريالات، وتغييرها خمس مرات يكلفه خمسين ريالا في اليوم، فيجوز له الإبقاء على الكيس وتغييره كلما لزم الأمر فقط، ويصلي به، قال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، وقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16].


([1])يوجد نوعان من القسطرة، القسطرة الموضعية، وهي التي يتم فيها إدخال أنبوب عبر مخرج البول أو فتحة الشرج لتفريغ المثانة من البول، أو القولون (المصران الأعور) من البراز، وهذه تتم بين فترات متباعدة، وهذا لا إشكال فيه، لأن البول أو البراز يخرجان من مخرجهما المعتاد، فخروجهما يعد حدثا في ذاته، وينتقض الوضوء بذلك.

ومثل هذه القسطرة الدائمة لإفراغ القولون، حيث يتم إحداث فتحة أسفل البطن يدخل منها أنبوبة صغيرة حلزونية الشكل تتصل بالقولون، يستخدم لحقن كمية من الماء لتنظيف القولون وإفراغه، وتتم عملية الإفراغ عن طريق الشرج، فهذه حكمها حكم القسطرة الموضعية.

والنوع الآخر القسطرة الجانبية، وهو الذي يتم فيه إحداث مخرج في البطن لإخراج البول أو البراز، وهو موضوع المسألة أعلاه.

([2]) الشرح الممتع (1/428).

([3]) موقع الشيخ ابن جبرين، فتوى (6130).

([4]) الإسلام سؤال وجواب فتوى (2723)، النوازل الفقهية للقرافي ص(264)، أثر الأجهزة الطبية للطويرش ص(89)، فقه النوازل للخثلان ص(45)،

([5]) موقع خالد المصلح http://www.almosleh.com، أحكام سلس البول.

المراجع

1. أثر الأجهزة الطبية في العبادات، إيمان الطويرش
2. أثر التداوي في الطهارة والصلاة والحج، أحمد الفهد.
3. شرح فقه النوازل، سعد الخثلان.
4. فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبدالله أبوزيد.
5. النوازل الفقهية وأحكامها في الطهارة والصلاة، باسم القرافي.
6. موقع الإسلام سؤال وجواب http://islamqa.info
7. موقع ابن جبرين http://ibn-jebreen.com
8. موقع خالد المصلح http://www.almosleh.com

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى