أثر الرسائل الناسوخية في الإثبات
مسألة رقم 173
الإثبات بما يرسل عبر الفاكس
تعد الرسائل الناسوخية (الفاكسية) اليوم واحدة من أهم الوسائل المستخدمة في الكثير من التعاملات بين الأفراد أو الشركات وغيرهم؛ نظراً لسرعتها المتناهية، ودقة نقلها لما يراد نقله.
والرسائل الناسوخية التي يستعملها المرسل إليه ليست سنداً أصلياً، وإنما هي صورة حرفية مستنسخة طبقاً لأصل السندات المرسلة الموجودة لدى المرسل فما حكم العمل بها في الإثبات هل تعتبر قرينة أو لا؟
الرسائل الناسوخية صورة ضوئية للأصل المرسل، وإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن أن تعطى حكم صورة السند الرسمي؛ لأن هذه السندات لم تصدر من موظف مختص مكلف بخدمةٍ وثّقها أو نظّمها طبقاً للإجراءات النظامية.
لذا فإن الرسائل الناسوخية يصدق عليها أنها صورة لسند كتابي عادي، إلا أن انتشار استخدامها، وإلحاح الحاجة إليها أدى إلى اختلاف وجهات النظر في مدى اعتبارها في الإثبات وجاء ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الرسائل الناسوخية ليس لها قيمة في الإثبات، ولا يمكن الاحتجاج بها إذا فقد الأصل.
وعللوا ذلك: بوجود المخاطر والعيوب التي قد تتعرض لها هذه الرسالة؛ إذ من الممكن أن تكون محرفة، أو يكون الأصل مزوراً فلا يمكن مطابقة الصورة عليها، لأن الرسائل الناسوخية عبارة عن صور ضوئية، والتصوير الضوئي وإن كان قد تقدم إلى حد يمكنه من نقل الأصل بأمانة كافية، إلا أنه قد تقدم أيضاً إلى حد يجعل الصورة بعيدة كل البعد عن الوصول إلى الحقيقة التي يراد إثباتها بهذه الصورة وذلك عن طريق التلاعب والتزوير، إذ يمكن الحذف والإبدال في مضمون السند بشكل لا يلاحظ بسهولة في الصورة المأخوذة بعد هذا التلاعب، ولذا فإن احتمالات الخطأ واردة في عمليات الإرسال والاستقبال، إلى جانب سهولة تعديل عنوان المرسل وتغيير الخط الهاتفي وتاريخ الإرسال، و من السهل استصدار إشعار مزور بإرسال الفاكس، إضافة إلى أن إرسال الفاكس لا يعني استقباله من الطرف الآخر، وقد تتدخل عوامل فنية تحول دون ذلك.
القول الثاني: أن الرسائل الناسوخية تأخذ حكم الورقة العرفية في الإثبات إلى أن يثبت العكس.
وعللوا لذلك: بأن نقل الرسالة بواسطة جهاز (الفاكس) يتم بوضع أصلها في الجهاز الموجود لدى الجهة المرسلة، الذي يقوم بدوره بنقلها مصورة كما هي وبثها من جهاز (الفاكس) الآخر الموجود لدى الجهة المرسل إليها، ومن ثم فإن الرسالة التي يطبعها جهاز الفاكس المتلقي بطريق التصوير نقلاً عن جهاز الفاكس المرسل – وتكون موقعة من الجهة المرسلة – تعتبر نسخة أصلية من تلك الرسالة المرسلة (المحفوظة لدى مرسلها) مما لا يجوز معه في تلك الحالة تكليف الجهة المرسل إليها بتقديمه، ولا سبيل لمنازعة الجهة المنسوب إليها تلك الرسالة إلا بإنكار صدورها منها، أو إثبات عدم مطابقتها لأصلها الموجود لديها، ولا يغني عن ذلك مجرد ادعائها بأنها تنحسر عنها قيمتها في الإثبات.
القول الثالث: أن الرسائل الناسوخية تأخذ حكم المستندات العرفية ولكن بثلاثة شروط:
الأول: أن تحتوي الرسالة المرسلة بوضوح على رقم الفاكس الخاص بالجهة المرسلة.
الثاني: أن تحتوي الرسالة بوضوح على رمز الدولة (رقم الكود).
الثالث: توقيع الرسالة من الجهة المرسلة.
وبذلك يمكن الاطمئنان إلى الفاكس باعتباره محرراً عرفياً يحمل توقيع من صدر منه، قالوا: وحتى يتأكد هذا الاطمئنان يجب على المرسل إليه أن يعيد إرسال فاكس إلى المرسل موضحاً به استلامه للفاكس المرسل إليه مع توقيعه عليه، وبذلك تستبعد أي شبهة يمكن أن تشوب التعامل بهذه الوسيلة.
وينبغي التنبيه إلى أن الرسائل الناسوخية وإلم تكن حجة بذاتها إلا أنها إذا كانت بخط من نسبت إليه وأنكر ذلك فإنه يمكن أن تعد مبدأ ثبوت بالكتابة يتحقق منه بالوسائل المعروفة في هذا الباب.
أما إذا كانت الرسالة الناسوخية الموجودة لدى المستلم موقعاً عليها ممن صدر عنه الأصل فإنها تعد حينئذ نسخة ثانية، ويكون لها قيمة الأصل نفسه في الإثبات.
• القرائن المادية وأثرها في الإثبات (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) د. زيد القرون (487 ـ 493).
• الحجية القانونية لوسائل التقدم العلمي في الإثبات المدني للعبودي ص103.
• أحكام عقود التجارة الإلكترونية لنضال برهم ص161-162.
• حجية وسائل الاتصال الحديثة في الإثبات لمحمد رشدي ص34.
• شرح أحكام قانون الإثبات المدني للعبودي ص358، 356.
• استخدام وسائل الاتصال الحديثة للتفاوض على العقود وإبرامها لمحمد لطفي ص35.
• الوجيز في عقود التجارة الإلكترونية لمحمد المطالقة ص241.