قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب مسائل القضاء

أثر الرسائل الخطية في الإثبات

مسألة رقم 172

صورة المسألة

الأصل في الرسائل أنها ليست للتوثيق بل للسؤال عن الحال والاطمئنان على المرسل إليه، إلا أنها قد تتضمن أحياناً ما يفيد إثبات حق من الحقوق، كما لو جاء فيها ما يفيد إقرار المرسل باستدانة مبلغ مالي من المرسل إليه، أو شراء سلعة منه ولم يسلم الثمن، أو تضمنت الرسالة جريمة في حق المرسل إليه بتهديد أو احتيال ونحو ذلك، فهل يمكن إثبات هذا الحق، أو الحكم على المرسل بناء على ما ورد في هذه الرسالة أو لا؟

حكم المسألة

اختلف الباحثون في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن الرسائل تأخذ حكم المستندات العرفية المعدة للإثبات إذا كانت موقعة من مرسلها، وأما إن كانت غير موقعة فللقاضي أن يعتبرها مبدأ ثبوت بالكتابة متى كانت محررة بخط من يحتج بها عليه.

وبناء على ذلك تكون الرسالة حجة على المرسل من حيث صدورها منه، ومن حيث صحة الوقائع والبيانات المكتوبة فيها، ما لم ينكر المرسل التوقيع، أو يثبت عكس ما ورد فيها.

وإذا كانت حجة كان من حق المرسل إليه أن يقدم الرسالة إلى القضاء ليستخلص منها دليلاً لصالحه ضد المرسل متى كانت له مصلحة مشروعة في ذلك، كأن تتضمن الرسالة اتفاقاً بين المرسل والمرسل إليه، أو التزاماً تعهد به المرسل، أو إبراء، أو إقراراً، ونحو ذلك.

ولا شك أن في القول باعتبار الرسائل كالمستندات العرفية حفظاً للحقوق، ورفعاً للمشقة عن الناس، لاسيما عندما تكون العلاقة بين المرسل والمرسل إليه قوية جداً يستصعب معها أحدهما توثيق ما بينهما من ديون أو حقوق، أو حياء من طلب ذلك، أو ثقة بالطرف الآخر أو غير ذلك من الأسباب.

 

القول الثاني: أن الرسائل لا تأخذ حكم المستندات مطلقاً، بل هي خاضعة لتقدير القاضي؛ إذ أن هناك فرقاً بين الرسالة الموقعة والمستند العرفي المعد للإثبات، فيتعين على القاضي عند قراءة الرسالة التي لم تكتب للإثبات وتفسيره لعباراتها أن يقيم وزناً للظروف التي كتبت فيها الرسالة، ومنها أن كاتبها لم يقصد منها أن تتخذ دليلاً عليه، فلم يحتط في كتابتها الاحتياط الذي يتخذ عادة في تحرير السند ليكون دليلاً.

وعلى هذا يجوز للقاضي أن يرى في عبارات الرسالة دليلاً كاملاً على التصرف المراد إثباته بها، أو لا يجد فيها سوى مبدأ ثبوت بالكتابة، أو مجرد قرينة، أو أن يرى أنها لا تفيد شيئاً في الإثبات المطلوب، وعليه تكون الرسالة خاضعة لاجتهاد القاضي الشرعي، بخلاف المستند العرفي فإنه دليل في إثبات الدعوى أو نفيها ما لم ينكر المدعى عليه الخط أو الإمضاء(التوقيع) ونحو ذلك.

هذا وقد اشترط بعض الباحثين شرطاً لجواز التمسك بالرسالة وتقديمها إلى القضاء للاستفادة منها في الإثبات وهو ألا تشتمل الرسالة على أسرار عائلية أو مهنية خاصة بالمدعى عليه، ولا يرغب في إفشائها، فإن اشتملت الرسالة على شيء من ذلك لم يجز تقديمها إلا بعد إعلام المرسل بذلك وإذنه، فإلم يأذن تعين عليه الاعتراف بما اشتملت عليه الرسالة فيما يتعلق بموضوع الدعوى وحده، أو يهيئ لخصمه سبيل الإثبات بدليل آخر، وإلا جاز للمرسل إليه تقديم الرسالة؛ لإثبات حقه وعدم ضياعه.

ومأخذ هذا الاشتراط: أن المدعي وإن كان له حق في الاحتجاج بهذه الرسالة، فإن للمدعى عليه ـ أيضاً ـ حقاً في عدم إفشاء أسراره، وحتى لا تضيع الحقوق أو يستعدى عليها جاء مثل هذا الشرط الذي يحصل به المقصود والتوفيق بين الحقين.

المراجع

• القرائن المادية وأثرها في الإثبات (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) د. زيد القرون (481 ـ 486).
• توثيق الديون في الفقه الإسلامي (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) د. صالح الهليل (365).
• القضاء بالقرائن المعاصرة (رسالة دكتوراه ـ المعهد العالي للقضاء ـ جامعة الإمام) د. عبد الله العجلان ص202
• الوسيط للسنهوري 8/437.
• السندات العادية ودورها في الإثبات المدني للعبودي ص127.
• شرح أحكام قانون الإثبات المدني للعبودي ص165، 156.
• دور الحاكم المدني في الإثبات لآدم النداوي ص243، 241.
• القضاء ونظام الإثبات في الفقه الإسلامي لمحمود هاشم ص240.
• طرق الإثبات في المواد المدنية والتجارية لخالد موسى ص114.
• الإثبات التقليدي والإلكتروني لمحمد منصور ص103.
• قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية لتوفيق فرج ص126.
• ضوابط الاستدلالات والإيضاحات والتحريات لقدري الشهاوي ص433.
• الإثبات في التجارة الإلكترونية لأحمد المهدي ص13.
• موجز أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية لمحمد سرور ص105.
• الإثبات والتوثيق أمام القضاء لعبد الرحمن القاسم ص89.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى