قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

أثر التقدم الطبي على استيفاء القصاص فيما دون النفس

مسألة رقم 257

العناوين المرادفة

1. أثر التقنية الحديثة في القصاص فيما دون النفس.
2. أثر التقنية الحديثة على تحقيق الأمن من الحيف عند استيفاء القصاص فيما دون النفس.
3. أثر تقدم الطب في تحقيق الأمن من الحيف في استيفاء القصاص فيما دون النفس.

صورة المسألة

منَع الفقهاء المتقدمون القصاص في جملة من صور الجناية فيما دون النفس على خلاف بينهم في بعضها؛ وذلك نظرا إلى أن تنفيذ القصاص فيها قد يؤدي إلى هلاك الجاني أو الاعتداء عليه بما يزيد على قدر جنايته أو يفضي إلى السراية.
فهل يرتفع المنع أو الخلاف في الصور التي ذكروا أن استيفاء القصاص فيها يؤدي إلى الحيف في الزمن الغابر بانتفائه في الوقت الراهن نظرا إلى إمكانية تنفيذ القصاص فيها بواسطة الأجهزة الطبية الحديثة؟

حكم المسألة

أولا: اشتراط الأمن من الحيف في القصاص فيما دون النفس.

اتفق الفقهاء – عدا ابن حزم رحمه الله تعالى – على اشتراط الأمن من الحيف في استيفاء القصاص فيما دون النفس، وإنما اختلفوا في جملة من الصور بناء على اختلافهم في تفسير مناط الحكم أو تحقيقه في بعض الصور.

أما الخلاف في تفسير مناط الحكم فيظهر أثره في اختلافهم فيما يمكن استيفاؤه من غير حيف، وقد اختلفوا في ذلك على اتجاهين:

الاتجاه الأول: أن ما يمكن استيفاؤه من غير حيف هو ما كان القطع فيه ينتهي إلى مفصل أو حد أو كان الجُرح فيه ينتهي إلى عظم، وهذا مذهب الجمهور خلافا للحنفية في الجراح حيث يرون أن القصاص فيها لا يثبت إلا بالسراية إلى النفس.

الثاني: أن ما يمكن استيفاؤه يتحقق في جميع أنواع القطع والجراح سوى ما كان مخوفا بحيث يؤدي إلى التلف؛ ككسر عظام الصدر والعنق والصلب والفخذ والجائفة، وبه قال المالكية.

وكلا الفريقين يستند إلى الأدلة العامة الدالة على شرطية مقابلة الجناية بمثلها؛ وإنما يعود خلافهم في هذا الحصر – كما سبق – إلى تفسيرهم لمناط الحكم، وهو الأمن من الحيف، فعند الجمهور: أن ضابط الأمن: الوثوق من عدم الزيادة في القصاص بما يخرج عن حد المماثلة، ويفضي إلى الجور في حق الجاني.

وعند المالكية: أن ضابطه: الأمن مما يعظم فيه الخطر بحيث ينتفي احتمال هلاك الجاني باستيفاء القصاص، وبالتالي لا إشكال عندهم إذا زاد الاستيفاء عن حد المماثلة، ولم يفض إلى الخطر.

وأما اختلافهم في تحقيق المناط فهو واقع في كثير من الصور، ومن جملتها:

  1. أن القصاص يجري في كسر الأسنان عند الجمهور خلافا لأكثر الشافعية.
  2. أن القصاص لا يجري في العظام عند الجمهور خلافا للمالكية في المعتمد عندهم: أنه يجري فيها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان مخوفا كعظام الرقبة والظهر والفخذ والصدر..
  3. لا يجري القصاص في القطع من غير مفصل عند الجمهور خلافا للمالكية.

 

ثانيا: إمكانية القصاص في هذه الصور بناء على التقدم الطبي.

لقد تقدم الطب بشكل مذهل في الآونة الأخيرة، ووجدت أجهزة تتعرف بدقة على تفاصيل الجراح، ويمكن كذلك بواسطتها مقابلة الجناية بالمثل بما يسمح بتنفيذ القصاص في هذه الصور من غير حيف، وبيان ذلك فيما يلي:

  1. بالنسبة للجناية على الأسنان يستطيع الطبيب المتخصص بواسطة التصوير التلفزيوني التعرف بدقة على قدر الجناية بعمل بصمة تحدد نوع الكسر وطوله وكسر ما يقابله من أسنان الجاني بالمبرد الصغير الذي يعمل بقوة ضغط الهواء.
  2. بالنسبة لكسور العظام وبتر الأعضاء يستطيع جراح العظام بواسطة التصوير الإشعاعي تحديد نوع الكسر ومكانه وتحليل الصورة الملتقطة وتكبيرها وقلبها بما يساعد على معرفة التفاصيل الدقيقة للكسر أو البتر.

ويمكن بعد ذلك بتر العضو من غير مفصل أو كسره مع وجود المعقمات والمواد التي تحول دون النزيف إذا لم يؤد ذلك إلى مضاعفات أو مسببات لأمراض أخرى.

وبهذا يظهر أن للتقدم الطبي أثرا في استيفاء القصاص فيما دون النفس، فما لم يكن ممكنا في السابق في هذا الباب لانتفاء وسائله أصبح ممكنا بفعل التقدم الطبي.

وقد ذكر غير واحد الإجماع على أن القصاص فيما دون النفس يتعلق بالإمكان، يقول ابن قدامة: “وأجمع المسلمون على جريان القصاص فيما دون النفس إذا أمكن”([1]) .

والفقهاء المتقدمون يُرجعون النظر في إمكان استيفاء القصاص فيما دون النفس إلى أهل الخبرة، وهم الأطباء، ومن ثم يترتب على الإجماع على لزوم القصاص فيما دون النفس إذا أمكن من غير حيف، وتعلقه بقول أهل الخيرة باتفاق الفقهاء كذلك يترتب على المقدمتين ارتفاع الخلاف في هذه الصور لانتفاء المعنى الموجب له، وهذا ما أشاره إليه الشنقيطي في أضواء البيان، وقرره محمد بن صالح العثيمين.


([1]) المغني 8/317.

المراجع

1. أثر التقنية الحديثة على تحقيق الأمن من الحيف عند استيفاء القصاص فيما دون النفس، د. مريم بنت عيسى العيسى.
(https://shms-prod.s3.amazonaws.com).
2. أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي، د.هشام بن عبدالملك آل الشيخ.
3. أضواء البيان لمحمد الأمين محمد المختار الشنقيطي(ت 1393هـ).
4. الإنصاف لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي (ت 885 هـ).
5. بداية المجتهد لأبي الوليد محمد بن أحمد ابن رشد القرطبي (ت 595 هـ).
6. بدائع الصنائع لعلاء الدين أبوبكر بن مسعود الكاساني (ت 587هـ).
7. الدر المختار مع حاشية ابن عابدين لمحمد أمين بن عمر (ت 1252هـ).
8. روضة الطالبين لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ).
9. شرح مختصر خليل لمحمد بن عبدالله الخرشي (ت 1101 هـ)
10. المحلى بالآثار لأبي محمد علي بن أحمد ابن حزم الأندلسي (ت 456 هـ).
11. المغني لموفق الدين عبدالله بن أحمد المقدسي (ت 620 هـ).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى