يعدّ التسجيل الصوتي وسيلة من وسائل التقنية الحديثة التي انتشرت في أوساط الناس من خلال أجهزة متنوعة ومختلفة في حجمها ودقتها وطبيعة عملها، فلو سمع رجل من خلال التسجيل يقر بدين لآخر، أو يهدد غيره بالقتل ونحو ذلك، فهل يمكن اعتبار هذا التسجيل في الإثبات ومن ثم يحكم بترتب الآثار الشرعية على من نسب إليه التسجيل أولا؟
فمثلاً: إذا ادعى شخص على آخر مبلغاً مالياً وقدم شريطاً مسجلاً يقر فيه المدعى عليه بأن في ذمته للمدعي ذلك المبلغ، أو سجلت مكالمة هاتفية لشخص وهو يهدد غيره بالقتل، أو يقر فيه بأي أمر تلحقه بسببه المساءلة القضائية فهل يمكن اعتبار هذا التسجيل قرينة قوية يثبت بها ما تضمنه الشريط من إقرار ونحوه؟
نص أهل الاختصاص على أن هناك ثلاث طرق مستخدمة لدراسة التسجيلات الصوتية ومقارنتها بصوت من نسبت إليه، وتتلخص هذه الطرق في الآتي:
الطريقة الأولى: الطريقة السمعية، وذلك من خلال قيام أشخاص مختصين بالاستماع إلى تسجيلات صوتية بغية الربط بين صوت معين وفرد معين.
الطريقة الثانية: الطريقة الآلية، وتتضمن استخدام وسائل آلية أو نصف آلية غالباً ما تعمل على الحاسوب للربط بين الصوت وصاحبه، حيث يتم تزويد أجهزة الحاسوب ببرامج من شأنها تحليل الصوت البشري ومطابقته مع أصوات أخرى يتم إدخالها عند الحاجة، وعليه يمكن اعتبار الطريقة الآلية أكثر موضوعية من الطريقة السمعية؛ لتحررها إلى حد كبير من احتمالية التحيز البشري في اتخاذ القرار.
الطريقة الثالثة: الطريقة المرئية وتقوم على صور ورسوم ينتجها المخطط المرئي للصوت (Spectograph)، حيث تقدم هذه الصور والرسوم تحليلاً لكل صوت تظهر من خلاله عناصر (فيزيائية الصوت) كمقدار الذبذبة، وحدة الصوت، ونبراته..إلخ ثم يقوم متخصصون في علم الصوتيات بدراسة هذه الرسوم وتحليلها.
وعند النظر في هذه الطرق الثلاث يتضح أن الطريقة الثالثة هي أدقها؛ لقيامها على قواعد وضوابط حددها أهل الاختصاص وقرروها في (بصمة الصوت)، وتبين هناك أن المطابقة لا تعد قرينة قوية في الإثبات ولا يمكن الاعتماد عليها وحدها، وإذا كان هذا في الطريقة المرئية مع دقتها فغيرها من باب أولى.
ولذلك نص العديد من الباحثين الذين تكلموا في هذه المسألة على عدم الاعتداد بالتسجيل الصوتي في الإثبات، وأنه لا يعد قرينة قوية يحكم بموجبها، وقد عللوا ذلك بما يأتي:
أولاً: أن بعض الأصوات تتشابه في الظاهر، فقد تسمع صوتاً فتظنه لفلان وهو ليس كذلك، مع أن المتحدث لم يقصد تقليد صوت الآخر ومحاكاته.
ثانياً: أنه يمكن للشخص أن يقلد صوت شخص آخر فيوهم السامع بأن المتكلم فلان والحقيقة أن المتكلم غيره، وهذا ما يشاهد ويسمع في كثير من الأحوال، فبعض الأشخاص عنده المقدرة على تقليد أصوات الرجال والنساء والأطفال بل والدواب في وقت واحد، ويخيّل للسامع أن حواراً يجري بين مجموعة كثيرة، والواقع أنها من شخص واحد.
ثالثاً: ما يشوب التسجيل من النواحي الفنية فقد أصبح من الممكن فنياً وببساطة – ولو من شخص قليل الخبرة – إدخال تبديل، أو تغيير، وتقديم كلام، وتأخير آخر، وهذا ما يسمى عند أهل الاختصاص بعملية (المونتاج) وبذلك أصبح من الميسور تغيير مضمون التسجيل، فيتغير التسجيل من إنكار للتهمة إلى اعتراف بها.
رابعاً: أن التسجيل لا يتم إلا بهتك الأستار المنهي عنه شرعاً، فهو اعتداء على الناس، واستراق للسمع، فلا ينبغي اعتبار نتائجه ردعاً للمعتدين.
خامساً: أن عدم اعتبار التسجيل حجة هو ما يوافق روح الشريعة ومقاصدها في الحفاظ على أمن الناس واستقرارهم، والحفاظ على أموالهم وأعراضهم.
وهذا لا يعني استبعاد التسجيل وعدم الالتفات إليه أو التعويل عليه، بل لا بأس من الاستفادة منه في مجال التحقيق والبحث في القضية، كما أن عرض هذا التسجيل على المدعى عليه قد يكون سبباً في اعترافه طواعية بمضمونه فيؤخذ عندها بإقراره.
• القرائن المادية وأثرها في الإثبات (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) د. زيد القرون (495).
• القضاء بالقرائن المعاصرة (رسالة دكتوراه ـ المعهد العالي للقضاء ـ جامعة الإمام) د. عبدالله العجلان (583).
• الإثبات في الدعوى الجنائية بالقرائن (بحث تكميلي في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية) علي بن مدالله الرويشد ص279.
• الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات الجنائي لحسنين بوادي ص67.
• الحجية القانونية لوسائل التقدم العلمي في الإثبات المدني للعبودي ص38.
• مشروعية تسجيل الصوت في التحقيق الجنائي لأحمد خليفة ص25.
• وسائل التحقيق المستحدثة وأثرها في الإثبات الجنائي للثنيان ص45-46.
• التحقيق الجنائي المتكامل لمحمد البشري ص227.
• الأدلة الجنائية والتحقيق الجنائي لمنصور المعايطة ص83.
• الأدلة الجنائية للمعايطة والمقذلي ص105.
• المشكلات العلمية في مراقبة التلفونات والتسجيلات الصوتية والمرئية لسمير الأمين ص402.
• حجية الدليل المادي في الإثبات لشحاته حسن ص163.
• طرائق الحكم في الشريعة الإسلامية لسعيد الزهراني ص352.
• القرائن ودوره في الإثبات لأنور دبور ص221.
• حجية القرائن في الشريعة الإسلامية لعدنان عزايزة ص 208.
• القضاء بقرائن الأحوال للديرشوي ص213.
• وسائل التعرف على الجاني لعلاء الهمص ص141.
• طرق الإثبات في القضاء الإسلامي لفخري أبو صفية ص161.
• الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات الجنائي لحسين إبراهيم ص468.