• التصرف الفضولي من الطبيب.
• علاج المريض من غير إذنه.
• تبعات تدخل الطبيب من غير إذن المريض.
التداوي من الأمراض حق شخصي للإنسان، لا يجوز أن يفتات عليه فيه إلا ما استثني من ذلك بدليل خاص( )؛ لذا كان الطبيب ونحوه ملزماً بأخذ الإذن من المريض لأجل العلاج والجراحة إن كان أهلاً لأخذ الإذن منه، أو بأخذ الإذن من وليه إن كان قاصراً، حتى يخلص من المساءلة.
فإذا تقرر ما سبق، فما حكم من طبب مريضاً بلا إذنه، كما لو ختن صغيراً بلا إذن وليه، أو سقى مريضاً دواء من غير علمه، أو طبب بإذن غير معتبر لكونه صادراً من صغير أو مجنون فأدى فعله إلى عيب أو تلف.
يترتب على تدخل الطبيب غير المأذون فيه من المريض أو وليه إذا نشأ عنه تلف أو عيب أو أي نوع من أنواع الضرر ما يلي:
أولا: الكفارة.
إذا أدى تطبيب الطبيب غير المأذون فيه إلى وفاة المريض وجبت عليه كفارة، وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لقول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء:92].
ثانيا: الضمان.
فيضمن الطبيب ما نشأ عن تطبيبه غير المأذون فيه وإن كان حاذقاً وأعطى الصنعة حقها ولم يقصر فيها، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي، وبه أفتى مركز الفتوى في موقع إسلام ويب.
والدليل على تضمين الطبيب ومن في حكمه ما يأتي:
1- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «لددناه في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلنا كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني؟ قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لُدَّ وأنا أنظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم». [أخرجه البخاري ، رقم (5712) ، ومسلم، رقم (2213)].
فأمر النبي ﷺ بلدهم؛ عقوبة لهم حين خالفوه في إشارته إليهم “لا تلدوني” دليل على أنه يحرم التدخل في شأن المريض من غير إذنه، فيضمن ما تلف بسببه.
2- أن إجراء الطبيب للعمل الطبي دون إذن من المريض أو وليه تعد عليه؛ لأن منافع الإنسان وأطرافه حق له لا يفتات عليه فيه، والمتعدي يلزمه الضمان إذا حصل ضرر بفعله.
قال الخطابي في معالم السنن: “لا أعلم خلافاً في المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً”.
- أن تطبيب المريض من غير إذن مخالفة للشارع وللمريض؛ فيضمن سرايته.
- أن الطبيب وإن كان محسناً في فعله لكنه أساء في تعديه على عضو بغير إذن صاحبه مع عدم قطعه بتمام الشفاء، لأن أمور الطب لا يستطيع الطبيب مهما بلغ من إتقان أن يجزم بتمام النجاح فيها.
وتضمين الطبيب يكون بـما يلي:
أولا: الدية: إذا نشأ عن فعله غير لمأذون فيه موت المريض، لقول الله – تعالى -: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ﴾ من الآية [النساء:92].
فالآية دليل على وجوب الدية على من أتلف نفساً مؤمنة عن طريق الخطأ، ويستوي في ذلك الطبيب وغيره.
ثانيا: الأرش: وهو الواجب فيما دون النفس من أعضاء.
والأرش نوعان: مقدر، وهو ما حدد الشرع مقداره، والثاني: ما لم يقدره الشارع وإنما فوضه للحاكم ويسمى حكومة.
ثالثا: نفقة العلاج وما فاته بسبب تعطله عن العمل.
اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم تضمين الطبيب نفقة علاج المريض إذا حصل له ضرر بسبب تطبيبه له بلا إذنه على اتجاهين:
الاتجاه الأول: تجب على الطبيب نفقات العلاج، وإليه ذهب بعض المعاصرين، منهم: الدكتور مصطفى الزرقا، والدكتور عبد الله المطلق، وآخرون.
واستدلوا بما يلي:
- ما ورد «أن عمر ومعاذاً جعلا فيما دون الموضحة أجر الطبيب». [السنن الكبرى للبيهقي 8/145، المصنف لابن أبي شيبة 9/150].
- أن أجرة الطبيب وثمن الدواء إنما لزما المريض بسبب الطبيب فوجبت في ماله.
- أن أجرة الطبيب ضرر مالي يلحق المريض غير الضرر الذي لحقه بسبب الخطأ في تطبيبه، فإذا كانت الحكومة ستذهب كأجرة للطبيب بقي الضرر الذي أصاب جسمه بلا عوض.
الاتجاه الثاني: لا تجب على الطبيب نفقة العلاج، وإليه ذهب الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ ابن عثيمين -رحمهم الله-
وعللوا لقولهم بما يلي:
عدم العلم بالدليل الدال على تحميل الطبيب نفقة العلاج.
يناقش: بما استدل به أصحاب الاتجاه الأول.
رابعا: التعزير.
التعزير عقوبة لابد لها من موجب، قال العز ابن عبد السلام: (أما التعزيرات فزواجر عن ذنوب لم تشرع فيها حدود ولا كفارات وهي متفاوتة بتفاوت الذنوب في القبح والأذى).
وبناء عليه فإن كل عمل ممنوع شرعاً، فإن فاعله يكون مستوجباً للتعزير حسب ما يراه ولي الأمر، سواء أكانت العقوبة مالية، أم بدنية، أم أدبية.. والطبيب إذا حصل الضرر للمريض بسبب فعله غير المأذون له فيه قد خالف أوامر الشارع فاستحق العقوبة.
ويستدل لذلك: بحديث عائشة رضي الله عنها السابق، حيث عاقب النبي ﷺ كل من فعل اللدود به؛ لأنه لم يأذن به، بل نهى عنه.
الملاحق:
قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (142) بشأن ضمان الطبيب:
“… 2- يكون الطبيب ضامناً إذا ترتب ضرر بالمريض في الحالات الآتية:
ج- إذا كان غير مأذون له من قبل الجهة الرسمية المختصة.
د- إذا أقدم على العمل دون إذن المريض أو من يقوم مقامه.
- إذا قام بالعمل الطبي الواحد فريق متكامل فيسأل كل واحد منهم عن خطئه تطبيقاً للقاعدة “إذا اجتمعت مباشرة الضرر مع التسبب فيه فالمسؤول هو المباشر، مالم يكن المتسبب أولى بالمسؤولية منه، ويكون رئيس الفريق مسؤولاً مسؤولية تضامنية عن فعل معاونيه إذا أخطأ في توجيههم أو قصر في الرقابة عليهم”.
– التداوي والمسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية، د. قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، دمشق، 1991م.
– المسؤولية الطبية لأخلاقيات الطبيب، د. محمد علي البار، ط 1416هـ، دار المنارة، جدة، ص[18-24].
– ضمان الطبيب في الشريعة الإسلامية والقانون، وليد هويمل عوجان، جامعة عمان، على موقع دار الإفتاء العام، الأردن. www.aliftaa.jo
– قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة السابعة، 1412هـ، قرار رقم [67] بشأن العلاج الطبي، وقرار رقم [142] بشأن ضمان الطبيب، الدورة الخامسة عشرة، 1425هـ.
– نظام مزاولة المهن الصحية ولائحته التنفيذية، المملكة العربية السعودية، 1432هـ، المادة [19]، ص[30].
– الخطأ الطبي، د. هاني الجبير، ضمن بحوث مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني (قضايا طبية معاصرة) ص[4380، 4381].
– الخطأ الطبي في الميزان، د. هالة جستنية، ضمن بحوث مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني (قضايا طبية معاصرة) ص[4499-4502].
– الإذن في إجراء العمليات الطبية أحكامه وأثره، د. هاني الجبير، نسخة إلكترونية، موقع المسلم. almoslim.net
– الموسوعة الطبية الفقهية، د. أحمد محمد كنعان، دار النفائس، ط3، 1431هـ، ص[46].
– الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، د. أحمد شرف الدين، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
– أحكام الإذن الطبي، د. عبد الرحمن أحمدالجرعي، موقع الإسلام اليوم، www.islamtoday.net
– شروط المساءلة عن الخطأ الطبي، د. عبدالسلام الشويعر، ضمن بحوث مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني (قضايا طبية معاصرة) ص[5075-5087].
– فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ [11/342].
– مسؤولية الجاني عن علاج المجني عليه، د. عبد الله المطلق، مجلة البحوث الإسلامية، العدد [70].