قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب مسائل القضاء

مطابقة أثر السلاح في الإثبات

مسألة رقم 204

صورة المسألة

يعتبر السلاح الناري وسيلة مهمة في تنفيذ العديد من الجرائم، سواء أكانت تلك الجرائم انتحارية أو اعتدائية، ونظراً لتعدد أنواع الأسلحة، واختلاف أشكال ذخائرها، فإن المحقق مضطر إلى البحث عنها في مكان الحادث أو عن ما ينتج عنها من آثار؛ فإذا وجد شيئاً من ذلك قام برفعه وفحصه؛ لتحديد نوع السلاح المستخدم، ووصفه وصفاً دقيقاً، ومقارنته بما قد يوجد مع المتهم من أسلحة.
فإذا وجد أن الآثار المرفوعة من مكان الحادث تتطابق مع ما يخلّفه سلاح المتهم من آثار فهل يعد ذلك قرينة على أنه هو الجاني، ومن ثم يجوز للقاضي أن يحكم بموجب هذه القرينة؟

حكم المسألة

ذكر بعض الباحثين المعاصرين أنه إذا وجد شخص مقتول وعليه أثر طلق ناري، أو أطلق على شخص فأصيب بإصابة غير مميتة، واتهم آخر بأنه قاتله أو المتسبب في إصابته، وبعد رفع آثار الإطلاق من مكان الحادث ـ كالمظاريف الفارغة وبقايا المقذوفات- وفحصها ومقارنتها اتضح أنها مطابقة للطلقات الصادرة من سلاح وجد في حوزة المتهم، وأثبت الخبير ذلك في تقريره، فالذي يظهرـ والله أعلم بالصواب ـ أن ذلك يعد قرينة قوية على أنه هو الجاني؛ لأن اتفاق نوعية السلاح الصادرة منه الطلقة مع سلاح المتهم، واتفاق عياره الناري، واتفاق الآثار المتعددة على المظاريف الفارغة والمقذوفات من كل وجه دليل على أن الطلقة صادرة من هذا السلاح، ولم يثبت أن وجد مقذوفان أو مظروفان من سلاحين مختلفين قد اتفقا في آثارهما عند المقارنة وتطابقا من كل وجه، بل لابد من وجود شيء من الفروق بينهما، ولا يثبت التطابق إلا إذا كانا صادرين من سلاح واحد، ولذلك نجد أن بعض المختصين يطلق على هذا النوع من الآثار (بصمة السلاح) تشبيهاً لها ببصمة أصابع اليد إمعاناً في التأكيد على دقة النتائج.

إذا اتضح هذا فإنه يجوز للقاضي أن يحكم بموجب هذه المطابقة على المتهم بما يراه مناسباً، ويلزمه بما يترتب على حكمه.

أما إذا كانت القضية قضية قتل:

فإذا أقر الجاني بفعله بعد اطّلاعه على تقارير الخبراء فإنه يحق للأولياء المطالبة بالقصاص إذا كان القتل عمداً.

أما إذا استمر المتهم على إنكاره حتى بعد صدور التقرير وطالب أولياء المقتول بالقصاص فإنهم لا يجابون لذلك لمجرد هذه القرينة؛ بناء على أن القصاص لا يثبت بالقرائن القوية؛ لأن الدماء يحتاط فيها ما لا يحتاط في غيرها، إلا أنه يمكن اعتبار هذه المطابقة من اللوث القوي الذي يجيز لأولياء المقتول أن يحلفوا خمسين يميناً على أن هذا هو قاتله ـ لا سيما إذا كان بينهما عداوة سابقة ـ فيستحقون بذلك القود أو الدية.

وإذا أقر المتهم بأن هذه الطلقة صادرة من سلاحه لكنه ادعى بأن المجني عليه أخذ منه السلاح وانتحر به، فإن هذه دعوى تحتاج إلى ما يثبتها، ويمكن الرجوع في هذا إلى قول الخبير المختص في الأسلحة الذي قد يحكم من خلال وضع العيار الناري، ومكان إصابته، واتجاه الجرح فيها، وأثر البارود الموجود على الجسم وغير ذلك من العلامات التي يدركها أهل الاختصاص، ويفرقون معها بين الجرح الجنائي، والجرح العرضي، والجرح الانتحاري، فإذا أكد الخبير صدق دعواه كان ذلك دارءاً للتهمة عنه، وإن نفى الخبير ذلك، أو بيّن احتماليته، لم يلتفت إلى دعوى المتهم، وحكم عليه بناء على هذه القرينة.

وإذا ثبت من خلال فحص الآثار أنها غير متطابقة مع آثار ما يصدر من سلاح المتهم فإن هذا يعد دليلاً قاطعاً على نفي التهمة عن المتهم، ومن ثم تبرئته، وإطلاق سراحه، ولا سيما إذا لم يكن يربطه بهذه الحادثة إلا هذه الآثار.

المراجع

• القرائن المادية وأثرها في الإثبات (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) د. زيد القرون (379ـ 398).
• توظيف العلوم الجنائية لخدمة العدالة لبدر الخليفة ص91، 92-93، 107.
• التحقيق الجنائي والتصرف فيه والأدلة الجنائية لأحمد أبو الروس ص383.
• الآثار المادية ودورها في التحقيق الجنائي المادي لأسامة بدر 225، 227.
• إجراءات جمع الأدلة ودورها في كشف الجريمة للعجرفي ص209، 210-211.
• مسرح الجريمة وأهميته في التحقيق الجنائي للمنصور ص114.
• الطب الشرعي في التحقيقات الجنائية لإبراهيم الجندي ص112.
• التحقيق الجنائي المتكامل لمحمد البشري 200-201.
• الطب الشرعي القضائي للجابري ص237-244.
• الطب الشرعي مبادئ وحقائق لحسين شحرور ص86-87.
• منهج البحث الجنائي لأبو الروس ص176-178.
• كشف الجريمة بالوسائل العلمية الحديثة لعبد العزيز حمدي ص123.
• جرائم القتل والجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة من وجهة قانونية لأحمد أبو الروس ص763، 760-761.
• الآثار المادية للسلاح الناري لعلي خضر ص212.
• الأدلة الجنائية للمعايطة والمقذلي ص145-146.
• الأدلة الجنائية والتحقيق الجنائي لمنصور المعايطة ص101-102.
• الطب الشرعي وجرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال لفودة والدميري ص416.
• أدلة مسرح الجريمة لقدري الشهاوي ص150.
• أساليب البحث العلمي الجنائي والتقنية الحديثة لقدري الشهاوي ص157-158.

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى