قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب العلاقات الدولية

سفارة الذمي للدولة المسلمة

مسألة رقم 220

صورة المسألة

أن تقوم الدولة المسلمة بتولية الذمي منصب السفارة، وهي كما هو معلوم من مناصب الولاية العامة في الدولة، بل من أخطر الولايات العامة وأكثرها أهمية في هيكل النظام السياسي للدولة الإسلامية.

حكم المسألة

السفارة بمعناها الحالي وميزات المكلف بها لم تكن معروفة عند الفقهاء المتقدمين وفي الوقت الحاضر ذهب بعض الباحثين المعاصرين – ممن بحث المسألة – إلى أن سفارة الذمي تخرّج على مسألة توليه وزارة التنفيذ وغيرها من الولايات العامة التي توازيها في الأهمية.

ولا خلاف بين الفقهاء في أنَّ الذمي لا يجوز أن يكون إمامًا أو نائبًا للإمام، أو أن يلي المناصب ذات الطبيعة الدينية كالأوقاف، والقضاء، وإمارة الجهاد، وما اندرج تحت هذا النوع من الولايات.

والخلاف فيما عدا ذلك من الولايات، من ولاية الذمي وزارة من الوزارات في حكومة الدولة الإسلامية على اعتبار السفارة بمنزلة الوزارة مع تميزها عنها بمزيد من الأهمية، وذلك على قولين:

القول الأول: المنع، فذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى منع استعمال أهل الذمة في الكتابة والعمالة وغيرها من الأعمال، وبطريق الأولى لا يستعملون في ما هو أهم من مجرد الكتابة وما يلحق بها من الأعمال اليسيرة. ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم([1]).

ومن أبرز أدلة المانعين:

1- عموم الآيات التي تحذر من غدر أهل الكتاب وخيانتهم وحقدهم على الإسلام وتربصهم بالمسلمين الدوائر وتنهى المؤمنين عن الركون إليهم وتبين طبيعة علاقاتهم بالمسلمين، ومنها:

-قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ) [آل عمران: 118].

حيث نهى الله عباده المؤمنين عن الاستعانة بغير المسلمين واتخاذهم بطانةً، وبطانة الرجل خاصته الذين يستبطنون أمره ويثق بهم ويأنس لهم في الباطن ويفاوضهم في الآراء.

  • قوله تعالى: (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية… [آل عمران: 28].

وهذا عموم في أن المؤمن لا يتخذ الكافر وليًا في نصره على عدوه، ولا في أمانة ولا بطانة، من دونكم: يعني من غيركم وسواكم، واستعمالهم في الوزارة من جملة الاتخاذ المنهي عنه في هذه الآية، ومن يفعله فليس من الله في شيء.

2-ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما خرج قِبل بدر وأدركه في طريقه إليها رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، وأراد أن يقاتل مع المسلمين ولم يسلم بعد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « تؤمن بالله ورسوله؟» قال: لا، قال: «فارجع فلن أستعين بمشرك». [رواه مسلم (1817)].

 

القول الثاني: الجواز، فذهب الماوردي من الشافعية إلى جواز تولي الذمي وزارة التنفيذ([2]والتنفيذ ليس فيه إصدار أحكام، وتبعه على ذلك بعض المعاصرين بشرط ألا تكون لهذه الوزارة صبغة دينية، وألا يكون لها أثر في توجيه دوائر الحكومة فضلا عن شرط الكفاءة.

كما صرح الشيخ محمد رشيد رضا بجواز سفارة الذمي للدولة الإسلامية.


([1]) أحكام القرآن للجصاص2/324، الفتاوى الكبرى لابن تيمية 5/539، الفروع لابن مفلح 10/248.

([2]) الأحكام السلطانية ص 56.

المراجع

• تصرفات الإمام في مجال التمثيل السياسي الدولي في الشريعة الإسلامية، للباحث: عبد الولي بن عبد الواحد الشلفي، رسالة ماجستير في الفقه الإسلامي من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى، 1428هـ.
• أحكام الرسل والسفراء في الفقه الإسلامي، للباحث: جمال أحمد نجم، رسالة ماجستير في الفقه، من جامعة النجاح الوطنية بفلسطين(28).
• أحكام السفارة في الفقه الإسلامي، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الفقه إلى الجامعة الأردنية، من إعداد: أحمد غالب محمد علي الخطيب (110).
• كتاب السفارات في الإسلام، لمحمد تابعي.
• كتاب: التمثيل السياسي في العهد النبوي للدكتور مبارك محمد الحربي.
• أحكام القرآن، أبو بكر الجصاص الرازي (2/324).
• الفتاوى الكبرى، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (5/539).
• الفروع، محمد بن مفلح المقدسي شمس الدين (10/248).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى