نظرا لما جد في هذا الزمان من طروء أسباب كثيرة تؤدي إلى بقاء الحجاج بعد طواف الوداع؛ فهل بقاؤهم بعد الطواف يوجب عليهم طوافا آخر أو لا؟
اتفق أهل العلم القائلون بوجوب طواف الوداع بعد انتهاء الحاج من نسكه على جواز مكثه اليسير بعد الطواف لشراء حاجيات السفر وانتظار الرفقة وشد الرحل، واختلفوا فيما عدا ذلك على قولين([1]):
القول الأول: لا يمكث بعد طواف الوداع، فإن مكث أعاده، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وعامة الفقهاء المعاصرين. واستدلوا:
الدليل الأول: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الناس ينصرفون من كل وجه؛ فقال رسول الله ﷺ: لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت). [مسلم (1327)].
وجه الاستدلال: أن الأمر في الحديث صريح بأن يكون آخر عهد الحاج الطواف بالبيت، ومن تشاغل بأمر آخر بعد طوافه لم يكن آخر عهده بالبيت؛ بل يكون آخر عهده بما تشاغل به.
الدليل الثاني: أن طواف الوداع كاسمه للوداع والارتحال، وإنما يجزىء إذا أداه في وقته؛ فإن وجد قبل وقته فلا يجزئه؛ كما لو طافه قبل حل النفر.
القول الثاني: يجوز للحاج المكث بعد طواف الوداع ما شاء أن يمكث؛ وإن كان الأفضل النفر بعده وهو قول الحنفية. واستدلوا:
أن الحاج إنما قدم مكة لأداء النسك؛ فإذا فرغ منه كان أوان الوداع، فطوافه يكون لوداع النسك لا وداع مكة؛ فلا يعيده إذا مكث.
([1]) بدائع الصنائع (2/143)، الحاوي (4/212)، المغني (5/339).
1. فتاوى ابن عثيمين (23/360).
2. فتاوى اللجنة الدائمة (11/290).
3. النوازل في الحج للشلعان (ص601).