قسم الأقليات المسلمةباب الآداب واللباس والزينة

تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

مسألة رقم 69

العناوين المرادفة

مشاركة غير المسلمين في أعيادهم.

صورة المسألة

حكم قيام المسلمين في بلاد الأقليات المسلمة بتهنئة غير المسلمين بأعيادهم كعيد الكريسمس ونحوه من الأعياد الدينية، وبخاصة مع وجود الروابط التي تستدعي ذلك كالجوار والزمالة في الدراسة، والرفقة في العمل، ونحو ذلك.

حكم المسألة

للعلماء اتجاهان:

الاتجاه الأول:

لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية، وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك، وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة محرمة، ولا يجوز إظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا ونحو ذلك.

وقد نقل ابن القيم -رحمه الله- الاتفاق على ذلك فقال في كتابه أحكام أهل الذمة([1]): “وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه”.

وقد أفتى بذلك الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- كما في فتاوى الأقليات المسلمة ([2]) وأشير إليه في قرار المجمع الفقهي التابع للرابطة([3]).

 

أبرز أدلة هذا الاتجاه:

1-أن التهنئة بأعيادهم فيها إقرار لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضى به لهم، والمهنئ وإن كان لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم عليه أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال تعالى: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [الزمر7]، وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [المائدة 3].

والواجب على كل مسلم أن يعتز بدينه وأن يقتصر على ما حده الله ورسوله r في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص، والمجاملة في ذلك أو التودد هو من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية الكفار وفخرهم بدينهم قال ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم([4]): “مشابهتهم في بعض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل… وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء “.

2-إذا هنأ الكفار بأعيادهم المسلمين فإنهم لا يجيبونهم على ذلك؛لأنها ليست أعيادا للمسلمين، وهي أعياد لا يرضاها الله تعالى إما لأنها مبتدعة في دينهم، وإما أنها مشروعة ولكن نسخت بدين الإسلام الخاتم وقد قال الله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران85].

 

الاتجاه الثاني:

التفريق بين الكفار المسالمين للمسلمين والمحاربين، فالمحاربون لا يجوز تهنئتهم بأعيادهم، بخلاف المسالمين فلا مانع أن يهنئهم المسلم أو المركز الإسلامي بأعيادهم الدينية مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعائر أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام مثل: الصليب، والكلمات المعتادة للتهنئة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل على أي إقرار لهم على دينهم أو رضا بذلك، وإنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس، ولا مانع من قبول الهدايا منهم ومكافأتهم عليها، وبخاصة لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة ونحو ذلك من العلاقات الاجتماعية، ويتأكد ذلك إذا أردنا أن ندعوهم إلى الإسلام، ونقربهم إليه، ونحبب إليهم المسلمين، فهذا لا يتأتى بالتجافي بيننا وبينهم.

وهو ما أخذ به المجلس الأوروبي للإفتاء([5]).

 

أبرز أدلة هذا القول:

أن القرآن الكريم فرق في المعاملة بين الكفار المحاربين والمسالمين للمسلمين في قوله تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة: 8-9].

فالمسالمون بينت الآية الإقساط إليهم، والقسط يعني: العدل، والبر: يعني: الإحسان والفضل، وهو فوق العدل، وأما الآخرون الذين نهت الآية الأخرى عن موالاتهم فهم الذين عادوا المسلمين وقاتلوهم، وأخرجوهم من أوطانهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، كما فعلت قريش ومشركو مكة بالرسول ﷺ وأصحابه، وقد اختار القرآن للتعامل مع المسالمين كلمة: ” البر” حين قال: ( أَن تَبَرُّوهُمْ) وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى، وهو بر الوالدين.

ما رواه الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها جاءت إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي مشركة، وهي راغبة (أي في صلتها والإهداء إليها) أفأصلها؟ قال: صلي أمك”، هذا وهي مشركة، ومعلوم أن موقف الإسلام من أهل الكتاب أخف من موقفه من المشركين الوثنيين، حتى أن القرآن أجاز ذبائحهم ومصاهرتهم، ومن لوازم هذا الزواج وثمراته وجود المودة بين الزوجين، والمصاهرة بين الأسرتين، ووجود الأمومة وما لها من حقوق مؤكدة على ولدها، وليس من البر والمصاحبة بالمعروف أن تمر مناسبات الأعياد عندها ولا يهنئها به، ومثل ذلك أقاربه من جهة أمه.

-المسلم يطلب منه أن يتصف بالخلق الحسن مع الناس جميعا كما هي وصية النبي ﷺ لأبي ذر عندما قال له: ” اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ” رواه الترمذي، وكلمة “الناس” تعم المسلمين وغيرهم.

ويتأكد ذلك إذا كانوا يبادرون بتهنئة المسلمين بأعيادهم الإسلامية، فقد أمرنا أن نجازي الحسنة بالحسنة، وأن نرد التحية بأحسن منها أو بمثلها على الأقل كما قال الله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) [النساء 86]، ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل حظا من حسن الخلق من غيره، وقد قال النبي ﷺ : “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا” رواه أحمد وأبو داود (ح4682)، والترمذي (ح 1162).

 

وقد أجاب أصحاب الاتجاه الأول عن أدلة الاتجاه الثاني:

بأن ذلك يخالف اتفاق أهل العلم الذي حكاه ابن القيم وغيره، والتهنئة ليست من البر والإحسان للكفار المسالمين، فلم يرد عن النبي ﷺ تهنئة اليهود، وهو قد عايشهم فترة من الزمن مع وجود المقتضي لذلك، وهو أكرم الناس خلقا عليه الصلاة والسلام.

وقياس التهنئة على رد التحية، وإجابة الدعوة والزيارة قياس مع الفارق، لأن ذلك لا علاقة له بشعيرة من شعائر دينهم، بخلاف الاحتفال بالعيد والتهنئة به فهو من شعائر الديانات كما قال ﷺ :” إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا” رواه البخاري(ح 952).

ويمكن للمسلم إذا وجد حرجا في عمله أو جامعته بسبب سكوته وعدم إجابة الكفار حين تهنئتهم له بأعيادهم أن يجيبهم بكلام حسن عام دون ذكر للعيد ومباركته.


([1]) انظر: أحكام أهل الذمة 1/206.

([2]) انظر: فتاوى الأقليات المسلمة ص 33، 35، 40، 41.

([3]) انظر القرار رقم 3/6.

([4]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 546.

([5]) انظر القرار رقم 3/6.

المراجع

• أحكام أهل الذمة لابن القيم، تحقيق الدكتور: صبحي الصالح. دار العلم للملايين – بيروت، الطبعة الثالثة 1983هـ
• اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق : د. ناصر بن عبد الكريم العقل نشر : دار عالم الكتب – بيروت الطبعة السابعة 1419 هـ.
• قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء.
• قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي.
• فتاوى الأقليات المسلمة لمجموعة من العلماء.
• صناعة الفتوى وفقه الأقليات للشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه.
• فقه الأقليات المسلمة للشيخ: خالد عبد القادر.
• دليل المبتعث الفقهي فهد باهمام. سماء الكتب للنشر والتوزيع – الرياض الطبعة الأولى 1431هـ.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى