قسم العباداتباب الصلاة

خطبة الجمعة بغير العربية

مسألة رقم 40

صورة المسألة

واضحة، وهي أن يلقي الخطيب خطبة الجمعة بغير اللغة العربية.

حكم المسألة

جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي ( القرار الخامس)([1]): خطبة الجمعة والعيدين بغير اللغة العربية في غير البلاد العربية، واستخدام مكبِّر الصوت فيها الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيِّدنا ونبيِّنا محمَّد، أما بعد: فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في السؤال المحال إليه ؛ حول الخلاف القائم بين بعض المسلمين في الهند ؛ بشأن جواز خطبة الجمعة باللغة المحلِّية غير العربية، أو عدم جوازها ؛ لأنَّ هناك من يرى عدم الجواز ؛ بحجَّة أنَّ خطبة الجمعة تقوم مقام الركعتين من صلاة الفرض.

 

وقد قرَّر المجلس بعد اطِّلاعه على آراء فقهاء المذاهب:

1- أنَّ الرأي الأعدل الذي نختاره هو أنَّ اللغة العربيَّة في أداء خطبة الجمعة والعيدين، في غير البلاد الناطقة بالعربية ليست شرطاً لصحَّتها.

ولكن الأحسن أداء مقدّمات الخطبة، وما تضمَّنته من آيات قرآنية باللغة العربيَّة؛ لتعويد غير العرب على سماع العربيَّة والقرآن، ممَّا يسهِّل عليهم تعلُّمها، وقراءة القرآن باللغة التي نزل بها، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم وينوِّرهم به ؛ بلغتهم التي يفهمونها. والله سبحانه هو الموفِّق، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلِّم).

ومما يؤيِّد ما سبق تقريره ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية؛ إذ أجابوا عن استفتاءات وردتهم في هذا الشأن بجواب يماثل المقرَّر آنفاً.

 

حيث أجابت بالجواب الآتي نصه:

ج: لم يثبت في حديثٍ عن النبي ﷺ ; ما يدلُّ على أنه يشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية؛ وإنما كان ﷺ يخطب باللغة العربية في الجمعة وغيرها ؛ لأنها لغته ولغة قومه.

فوعظ من يخطب فيهم وأرشدهم وذكَّرهم بلغتهم التي يفهمونها.

لكنه أرسل إلى الملوك وعظماء الأمم كتباً باللغة العربية، وهو يعلم أنَّ لغتهم غير اللغة العربية، ويعلم أنهم يترجمونها إلى لغتهم ؛ ليعرفوا ما فيها.

وعلى هذا يجوز لخطيب الجمعة في البلاد التي لا يعرف أهلها، أو السواد الأعظم من سكانها اللغة العربية أن يخطب باللغة العربية، ثم يترجمها إلى لغة بلاده ؛ ليفهموا ما نصحهم وذكَّرهم به، فيستفيدوا من خطبته.

وله أن يخطب بلغة بلاده، مع أنها غير عربية ؛ وبذلك يتمُّ الإرشاد والتعليم، والوعظ والتذكير، ويتحقَّق المقصود من الخطبة.

غير أنَّ أداء الخطبة باللغة العربية ثم ترجمتها إلى المستمعين أولى ؛ جمعاً بين الاهتداء بفعل النبي ﷺ ; في خطبه وكتبه، وبين تحقيق المقصود من الخطبة خروجاً من الخلاف في ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم([2]).

 

كما سئلت اللجنة الدائمة أيضاً سؤالاً هذا نصه: “إننا مبتعثون من المملكة العربية السعودية، وإننا نصلي الجمعة في مكان أعددناه لصلاة الجمعة فقط، وليس بمسجد. وإنَّ الأغلبية من المصلِّين يتكلَّمون العربية، ويوجد قلَّة قليلة لا يتكلَّمون العربية، وهم مسلمون ويصلُّون معنا كذلك.

وإننا اختلفنا فيما بيننا؛ هل تكون الخطبة بالعربية، أم بالإنجليزية؟ علماً أننا في الوقت الحاضر الخطبة تلقى بالعربية، ثم تترجم إلى الإنجليزية كمقاطع؛ أي يخطب السطرين الأوَّلين بالعربية، ثم يترجمها إلى الإنجليزية؛ لذا نرجوا من فضيلتكم التكرُّم بالإجابة -جزاكم الله خيراً – ؛ لأننا في أمسِّ الحاجة لمعرفة الحل؟

فأجابت اللجنة بالجواب الآتي:

ج: إذا كان الواقع كما ذُكِرَ؛ فالخطبة تلقى باللغة العربية، وتترجم للأقلِّيَّة بلغتهم؛ إنجليزية أو غيرها، ويراعى ما هو أصلح للمستمعين في الترجمة ؛ من تجزئتها كل مقطع من الخطبة، أو تأخير الترجمة حتى ينتهي من الخطبة، فيفعل ما هو الأنفع للمستمع.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم([3]).

 

وسُئل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز تفسير خطبة الجمعة للناس إذا كانوا أعجميين؛ ليفهموا معناها؟

فأجاب رحمه الله بقوله: “نعم، يجوز ذلك؛ فيخطب بالعربية ويفسِّر الخطبة باللغة التي يفهمها المستمعون؛ لأن المقصود وعظهم وتذكيرهم وتعليمهم أحكام الشريعة ولا يحصل ذلك إلا بالترجمة.

ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل به، وأن يهدينا جميعاً وسائر المسلمين صراطه المستقيم، إنه جواد كريم”.

وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في رسالةٍ له في الموضوع: “.. . فقد تنازع العلماء رحمهم الله في جواز ترجمة الخطب المنبرية في يوم الجمعة والعيدين إلى اللغات العجمية.

فمنع ذلك جمع من أهل العلم ؛ رغبة منهم رضي الله عنهم; في بقاء اللغة العربية، والمحافظة عليها، والسير على طريقة الرسول ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم ؛ في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها، وتشجيعاً للناس على تعلم اللغة العربية، والعناية بها.

وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية؛ إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية؛ نظراً للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة، وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام، وما نهاهم عنه من المعاصي والآثام، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة وا لصفات الحميدة وتحذيرهم من خلافها.

ولا شك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ والرسوم، ولا سيما إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يهتمون باللغة العربية، ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب باللغة العربية تسابقاً إلى تعلمها، وحرصاً عليها.

فالمقصود حينئذ لم يحصل والمطلوب بالبقاء على اللغة العربية لم يتحقق، وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين الذين يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام ؛ فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعينة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة.

وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية ؛ فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين فيخطب باللغة العربية، ويترجمها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون.

وبذلك يجمع بين المصلحتين، وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين.

ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة منها:

ما تقدم وهو أن المقصود من الخطبة نفع المخاطبين وتذكيرهم بحق الله، ودعوتهم إليه وتحذيرهم مما نهى الله عنه، ولا يحصل ذلك إلا بلغتهم.

ومنها: أن الله سبحانه إنما أرسل الرسل عليهم السلام بألسنة قومهم ؛ ليفهموهم مراد الله سبحانه بلغاتهم، كما قال سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ) [إبراهيم: 4]، وقال سبحانه وتعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) [إبراهيم: 1].

وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور وهم لا يعرفون معناه ولا يفهمون مراد الله منه.

فعلم أنه لا بد من ترجمة تبين المراد وتوضح لهم حق الله سبحانه إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته والعناية بها.

ومن ذلك أن الرسول ﷺ أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي صلى الله عليه وسلم مرادهم.

ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة المترجمين.

ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية، وأمروا الناس بتعلمها، ومن جهلها منهم دعوه بلغته، وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها ؛ فقامت بذلك الحجة، وانقطعت المعذرة.

ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه، ولا سيما في آخر الزمان، وعند غربة الإسلام، وتمسك كل قبيل بلغته ؛ فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك.

وأسأل الله أن يوفق المسلمين أينما كانوا للفقه في دينه، والتمسك بشريعته، والاستقامة عليها، وأن يصلح ولاة أمرهم، وأن ينصر دينه، ويخذل أعداءه ؛ إنه جواد كريم. والسلام.

 

وسُئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله([4]): ما حكم الخطبة بغير اللغة العربية؟

فأجاب رحمه الله بقوله: “الصحيح في هذه المسألة أنه لا يجوز لخطيب الجمعة أن يخطب باللسان الذي لا يفهم الحاضرون غيره. فإذا كان هؤلاء القوم مثلاً ليسوا بعرب، ولا يعرفون اللغة العربية؛ فإنه يخطب بلسانهم؛ لأنَّ هذا هو وسيلة البيان لهم.

والمقصود من الخطبة هو بيان حدود الله سبحانه وتعالى للعباد، ووعظهم وإرشادهم.

إلاَّ أن الآيات القرآنية يجب أن تكون باللغة العربية، ثم تفسّر بلغة القوم، ويدلُّ على أنه يخطب بلسان القوم ولغتهم قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ) [إبراهيم: 4]. فبيَّن الله تعالى أن وسيلة البيان إنما تكون باللسان الذي يفهمه المخاطَبون “. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،، ،

 

كما أجابت لجنة الفتاوى بالكويت بما يلي:

إذا ألقيت خطبة الجمعة بالعربية ثم ترجمت إلى غير العربية فلا نعلم خلافاً في جواز ذلك وهو صريح كلام فقهاء المذاهب الأربعة، أما ادعاء أن ذلك بدعة وأنه لم يرد فليس عدم النقل دليلاً على عدم الوقوع على عدم المشروعية، وهذه من مسائل المصالح المرسلة التي لم يرد نص بمنعها ولا بجوازها، وفعلها يحقق مصلحة أكيدة لنفع سامعي الخطبة ممن لا يعرفون العربية. والله أعلم.


([1]) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي (ص/97-98).

([2]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، رقم (1943).

([3]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، (8/253) رقم(1495).

([4]) فتاوى أركان الإسلام ص(393).

المراجع

1. الترجمة في الفقه الإسلامي، محمد بن أحمد بن واصل، دكتوراه، كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
2. الخطب المشروعة وأحكامها في الفقه الإسلامي، محمد بن سعد الدوسري، ماجستير، كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
3. فتاوى أركان الإسلام لابن عثيمين، جمع فهد السلمان ص(393) سؤال رقم(324).
4. فتاوى اللجنة الدائمة فتوى برقم 1943 في 24 / 5 / 1398 هـ السعودية و[فتاوى اللجنة الدائمة (8/253-254)، الفتوى رقم: (1495)
5. فتاوى وزارة الأوقاف بالكويت (1/212).
6. قرارات مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا-قرارات مؤتمر كندا.
7. قرارات المجمع الفقهي الإسلامي (ص/97-98)، الدورة الخامسة، سنة (1402 هـ).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى