قسم العباداتباب الطهارة

الوضوء من المياه المخصّصة للشرب.

العناوين المرادفة
  1. الطهارة بالماء المتصدق به للشرب.
  2. نقل الماء المسبّل للشرب إلى غيره.
  3. استعمال الماء الموقوف للشرب في غيره.
صورة المسألة

إذا كانت المياه قد تبرع بها فاعل خير وجعلها موقوفة لشرب الناس خاصة، فهل يصح استعمالها في غير الشرب كالوضوء ونحوه؟

حكم المسألة

إن مسألة الوضوء من المياه المخصّصة للشرب تُبنى على مسألة أخرى هي: “اتباع شرط الواقف”؛ وقد اتفق الفقهاء على وجوب العمل بشرط الواقف وعدم الحياد عنه ما لم يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ولم يضر بمصلحة الوقف أو الموقوف عليهم؛ وذلك لأن شرط الواقف كنص الشارع في وجوب الالتزام به.

وقد تحدث أهل العلم في المياه المخصصة للشرب ونظروا إليها في حالتين:

الأولى: ألا يعلم تخصيص الماء للشرب، ففي هذه الحالة ذهب عامة الفقهاء إلى العمل بالقرينة، فإذا دلت قرينة على أن الماء موضوع لتعميم الانتفاع كجريان الناس على تعميم الانتفاع من غير نكير من فقيه وغيره وأنه يجوز في هذا الماء جميع أوجه الانتفاع من شربٍ وغسل نجاسة وغسل جنابة وغيرها.

حجتهم:

أن الظاهر من عدم النكير تعميم الانتفاع به بهذه الوجوه؛ لأن جريان الناس على عموم الانتفاع به قرينة دالة على أن الواقف راض به.

ويدخل في هذا النوع: الماء العام الذي هيأته الدولة لحاجة الناس في أمر معين ، كمياه الشرب ونحوها ، فهذا النوع أشبه شيء بالماء الموقوف ، فيراعى في استعماله الغرض الذي خصص له ، ولا يستعمل في غيره ؛ إلا ما جرى العرف باستعماله فيه من غير نكير ، أو اليسير الذي يتساهل في أمره عادة .

الثانية: أن يعلم تخصيص الماء للشرب وأن الماء مسبل لذلك خاصة، فللفقهاء في هذه الحالة ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: أن الماء المخصص للشرب ، يتعين استعماله للشرب ولا يجوز الوضوء به.

هو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وعليه فتوى دائرة الإفتاء العام في الأردن، وهو مقتضى فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

ومن أدلتهم: أنه يجب اتباع شرط الواقف؛ لأن ألفاظ الواقف تتبع كألفاظ الشارع. والواقف هنا شرط تخصيص الماء للشرب، واستعماله في غيره تعدٍّ.

الاتجاه الثاني: يرى أن الماء المخصص للشرب يجوز استعماله في غير الشرب إذا كان كثيرا. وهذا قول بعض الفقهاء.

ولعلهم لحظوا أن قصد الواقف وإن كان للشرب الذي يحصل به إحياء النفوس، إلاّ أنه لا يضرّ أن يستعمل الفائض في أوجه قُرَبٍ أخرى غيره؛ لأنه لا ينقص من نصيب ما خصصه له.

الاتجاه الثالث: يرى أن الماء المخصص للشرب يجوز استعماله في غير الشرب إذا جرى العرف بذلك، هو قول بعض الفقهاء.

وحجتهم: أن مرد ذلك إلى مقتضى العرف، إذ إن في تخصيص المسبل تضييقاً شديداً على الناس، وأن عمل الناس على خلافه من غير نكير.

منشأ الخلاف:

يرجع منشأ الخلاف في هذه المسألة- بحسب ما يظهر من الأدلة – إلى تعارض شرط الواقف مع ما جرى به العرف من عمل الناس، فالمانعون نظروا إلى خصوصية شرط الواقف وضرورة اعتباره، والمجيزون نظروا إلى العرف الجاري وأنه يخصص الشرط.

ومما له صلة بهذه المسألة: أن الماء المسبل للشرب وإن منع جمهور الفقهاء استعماله في غيره إلا أن الوضوء به يصح إن حصل -على قول الجمهور- كما هو معلوم في مسألة انفكاك الجهة؛ وذلك أن منع الوضوء بالمخصص للشرب إنما لكونه مفوتًا للشرب، أو مفضيًا إلى التفويت باستعماله للوضوء، لكن هذا الوصف غير لازم للماء لجواز أن يتوضأ مائة شخص أو أكثر بالمخصص للشرب ثم يبقى فلا يفوت؛ فالمانع لصحة الوضوء به هو هذا الوصف الضعيف العرضي. وعليه فيصح الوضوء الحاصل به وإن أساء صاحبه. والله تعالى أعلم.

ملاحق المسألة :

أولا: فتوى دائرة الإفتاء بالأردن:”رقم الفتوى : (3217)، التاريخ : 16-08-2016

التصنيف: الوضوء، نوع الفتوى : بحثية. المفتي : لجنة الإفتاء

“السؤال: ما حكم الوضوء بالماء الموقوف للشرب؟

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

الماء الموقوف للشرب يحرم استعماله لغير ما وقف له؛ إذ الأصل في منافع الوقف أن تصرف على الجهة الموقوف عليها، ومن تعدى فقد أخذ ما ليس له به حق، فالماء المُسبّل للشرب لا يجوز استعماله في الطهارة، والماء المسبل للطهارة لا يجوز استعماله في غيرها كتنظيف الأواني.

وقد شدد الفقهاء في أمر الماء المُسبّل للشرب لأهميته للناس، حتى أنهم منعوا نقل الماء المُسبّل للشرب وإن كان سيستخدم في الشرب، جاء في [إعانة الطالبين 1/ 69]: “ومن ثم امتنع في السقايات المسبلة غير الشرب، ونقل الماء منها ولو للشرب”.

وسئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن الماء المتصدق به للطهور في المساجد، هل يجوز لأحد نقله إلى خلوته وادخاره فيها للطهر به، مع منع الناس منه والحاجة إليه في المسجد، وهل يجوز مع عدم ذلك أو لا؟

فأجاب: “بأن من تصدق بماء أو وقف ما يحصل منه الطهور بمسجد كذا لم يجز نقله منه لطهارة ولا لغيرها، مُنع الناس منه أو لا؛ لأن الماء المسبَّل يحرم نقله عنه إلى محل آخر لا ينسب إليه” [الفتاوى الفقهية الكبرى 3/ 266]. والله تعالى أعلم”.

ثانيا: فتوى اللجنة الدائمة، رقم الفتوى:( 16631 ):

“س: يوجد بين أرضنا الزراعية قطعتان زراعيتان، وقف أحدهما على الفقراء، والأخرى على مسجد من مساجد القرية، أي يقسم محصولها من الحبوب أو قيمة الخضار والثمار من النقود على هذين الوجهين: الفقراء والمسجد، ولكن والدي يرحمه الله بنى مسجدًا في آخر حياته على حسابه الخاص، وهذا المسجد بحاجة إلى الوقف الذي يعطى للمسجد الذي أصبح بعيدًا، وهذا المسجد الذي بناه والدي بناه في جزء من الأرض الزراعية القريبة من الوقف، والسؤال هو: هل يجوز صرف الوقف الآخر من الفقراء إلى أي وجه من وجوه البر الأخرى؟ أفتونا وفقكم الله.

ج: يجب التمشي على شرط الواقف، وصرف الوقف فيما خصص له، ولا يجوز صرفه إلى غيره إلا إذا تعطلت منافعه، فحينئذ يراجع القاضي في ذلك. والله أعلم.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

 

المراجع
  • إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (حاشية على فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين)، لأبي بكر (المشهور بالبكري) عثمان بن محمد شطا الدمياطي الشافعي (المتوفى: 1310هـ)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوريع، الطبعة: الأولى، 1418 هـ – 1997 م (3/ 202).
  • بلغة السالك لأقرب المسالك المعروف بحاشية الصاوي على الشرح الصغير (الشرح الصغير هو شرح الشيخ الدردير لكتابه المسمى أقرب المسالك لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ)، لأبي العباس أحمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصاوي المالكي (المتوفى: 1241هـ)، الناشر: دار المعارف، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ (4/ 120).
  • تحقيق المطالب بشرح دليل الطالب لأبي المنذر محمود بن محمد بن مصطفى بن عبد اللطيف المنياوي، المكتبة الشاملة، مصر، الطبعة الأولى، 1432 هـ – 2011 م (ص: 40).
  • التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب لخليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين الجندي المالكي(المتوفى: 776هـ)،تحقيق: د. أحمد بن عبد الكريم نجيب، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، الطبعة الأولى، 1429هـ – 2008م، (7/ 300).
  • الحاوي للفتاوي عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، عام 1424 هـ – 2004 م (1/ 27)، و(3/ 266).
  • دائرة الإفتاء العام في الأردن، http://aliftaa.jo/Question.aspx?QuestionId=3217#.WQqQuGerfIU
  • رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ)، دار الفكر-بيروت، الطبعة الثانية، 1412هـ – 1992م. (1/ 253)، و(1/ 129).
  • عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، (3/ 968).
  • فتاوى اللجنة الدائمة، رقم الفتوى:( 16631 )، (16/128-129).
  • فقه العبادات على المذهب الحنبلي للحاجّة سعاد زرزور،(ص: 38).
  • المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه،لأبي المعالي برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مَازَةَ البخاري الحنفي (المتوفى: 616هـ)، تحقيق:عبد الكريم سامي الجندي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1424 هـ – 2004 م (6/ 124).
  • مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، لمصطفى بن سعد بن عبده السيوطي شهرة،(المتوفى: 1243هـ)، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1415هـ – 1994م، (1/104).
  • المغني لابن قدامة (6/ 39)
  • موقع إسلام سؤال وجواب، إجابة السؤال رقم (70274) ، (72384) https://islamqa.info/ar/193459
  • نهاية الزين في إرشاد المبتدئين، لمحمد بن عمر نووي الجاوي (المتوفى: 1316هـ)، دار الفكر – بيروت، الطبعة الأولى (ص: 36).
  • نهاية المطلب في دراية المذهب، (8/ 316).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى