قسم العباداتباب الحج

المرور بمزدلفة لتعذر التوقف فيها والرجوع إليها

مسألة رقم 164

صورة المسألة

نظرا لكثرة الحجاج وشدة الزحام في هذه الأزمان المتأخرة؛ فقد يلجأ بعض السائقين في شركات الطوافة وغيرها إلى المرور في مزدلفة بدون توقف؛ فهل هذا يجزئ أو لا؟

حكم المسألة

اختلف جمهور أهل العلم القائلين بأن المبيت في مزدلفة واجب من واجبات الحج في مقدار المبيت الواجب في مزدلفة؛ على أقوال([1]):

القول الأول: أن المبيت الواجب هو الليل أو معظمه؛ وهو قول للشافعية ورواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن القيم، وهو قول بعض المعاصرين كالشنقيطي وابن عثيمين.

واستدلوا بما يلي:

الدليل الأول: حديث أسماء رضي الله عنها عندما نزلت ليلة جمع فقامت تصلي، فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلت ساعة، ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: ارتحلوا…). [البخاري (1595)، مسلم (1291)].

وفي رواية: (إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله ﷺ) [أبوداود (1943)، النسائي (3050)، ابن خزيمة (4/280)].

وجه الاستدلال: أن مغيب القمر ليلة العاشر يقع عند أوائل الثلث الأخير من الليل، مما يدل على وجوب المبيت أكثر الليل.

الدليل الثاني: ما ورد من الأحاديث التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بمزدلفة، واعتباره نسكاً لابد من فعله؛ ولا تكون البيتوتة إلا بالبقاء الليل أو معظمه.

 

القول الثاني: أن المبيت الواجب بمزدلفة إلى نصف الليل لمن حضر في النصف الأول؛ فإن انصرف قبل نصف الليل فعليه دم، وإن لم يحضر إلا في النصف الثاني فيكفيه جزء من الليل بلا تحديد.

وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

واستدلوا بما يلي:

الدليل الأول: أن رسول الله ﷺ قدم الضعفة للخروج من مزدلفة، وقد دل على ذلك أحاديث كثيرة، منها حديث أم حبيبة رضي الله عنها : (أن النبي ﷺ بعث بها من جمع بليل). [مسلم (1292)].

وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ قدم الضعفة بليل، وهذا يصدق على من بات نصف الليل فأكثر؛ فكان القدر الواجب هو نصف الليل.

 

الدليل الثاني: أن كل وقت جاز للمعذور الدفع فيه جاز لغير المعذور الدفع فيه قياساً على من دفع بعد طلوع الفجر.

 

القول الثالث: أن الواجب في مزدلفة هو الوقوف بالمشعر الحرام ما بين طلوع الفجر من يوم النحر وطلوع الشمس، فمن وقف خلال هذا الوقت ولو لحظة واحدة فقد قام بالواجب. وهو مذهب الحنفية.

واستدلوا:

الدليل الأول: قوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ) . [البقرة: 198].

وجه الاستدلال: أن الأمر إنما جاء بالوقوف عند المشعر الحرام ولم يرد بالمبيت.

الدليل الثاني: حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه وفيه قول النبي ﷺ: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا، فقد تم حجه وقضى تفثه). [أبو داود (1950)، الترمذي (891)، النسائي (3041)، ابن ماجه (3016)].

فيه دلالة على أن وقت الوقوف بمزدلفة من طلوع الفجر؛ لأنه صلى الفجر بغلس ذلك اليوم، وقد علق تمام الحج على هذا الوقوف فلا أقل من أن يكون واجباً.

 

القول الرابع: أن الواجب من المبيت هو حط الرحال والتمكن من المبيت، ولا يشترط استغراق النصف الأول من الليل. وهو مذهب المالكية.

واستدلوا:

الدليل الأول: ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: (استأذنت سودة النبي ﷺ ليلة جمع وكانت ثقيلة فأذن لها). [البخاري (1596)، مسلم (1290)].

وجه الاستدلال: أنه لم يُبين فيه وقت مخصوص للانصراف فدل على جوازه في أي وقت.

 

الدليل الثاني: أن الوقوف بمزدلفة نسك، فيكفي فيه ما يمكن إطلاق الوقوف عليه؛ قياسا على الوقوف بعرفة، ولا ريب أن حط الرحال، والتمكن من الوقوف يسمى وقوفا.

وبناء على هذا الخلاف ينبني حكم المرور بمزدلفة دون الوقوف بها والرجوع إليها. وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بأن من اقتصر على المرور بمزدلفة دون المبيت وهو معذور بفعله؛ وذلك لعدم قدرته على التوقف؛ أو عدم قدرته على الرجوع بعد أن خرج منها؛ فالمعذور يكفيه المرور ولا يجب عليه دم.

أما من ليس معذوراً بفعله، بل مروره لمجرد التعجل؛ فهذا قد ترك واجبا وهو المبيت فيلزمه دم.


([1])المبسوط (4/63)، بدائع الصنائع (2/136)، الذخيرة (3/236)، مواهب الجليل (4/196)، أسنى المطالب (1/489)، حاشية قليوبي وعميرة (2/116)، التعليق الكبير (2/709)، المغني (5/284)، زاد المعاد (2/252).

المراجع

1. خالص الجمان تهذيب مناسك الحج من أضواء البيان للشنقيطي ص(218).
2. الشرح الممتع لابن عثيمين (7/341).
3. فتاوى ابن عثيمين (23/65).
4. فتاوى اللجنة الدائمة (11/214).
5. النوازل في الحج علي بن ناصر الشلعان ص(410).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى