1. الكفاءة في النكاح.
2. الكفاءة في الزواج.
3. التكافؤ بين الزوجين.
مما يدل على سمو النكاح وعلو شأنه أن كانت له شروط ليست لغيره من العقود، ومن هذه الشروط الكفاءة بين الزوجين. ذلك أن مبنى هذا الرباط الأسري على قوامة الرجل، ومن عوائق القوامة أن تكون المرأة أعلى من الرجل، ولذا فإن الفقهاء اشترطوا ألا تكون المرأة أعلى من الرجل في صفاتٍ ذكروها بين مقل ومستكثر، وقد راعوا مع هذا المعنى معنىً آخر هو حق الزوجة والأولياء في أن تكون المصاهرة مع من يكافؤهم لا مع من هو دونهم.
وهذه مسألة ليست من مسائل العصر فقد تكلم عنها المتقدمون، ولكن لأهميتها وكثرة اللغط فيها، واللبس في فهمها، وتحرير معنى النسب في هذا العصر رأينا بيان حكمها.
هناك صفات كثيرة قد يتفاوت التكافؤ فيها بين الزوجين فهل يعتبر التكافؤ في جميع تلك الصفات؟
اتفق الفقهاء على اعتبار الكفاءة في الدين، وعلى ثبوت الفسخ بفوات هذه الكفاءة إلا ما روي عن محمد بن الحسن من إسقاط اعتبار التدين ([1]).
والدليل على اعتبار الدين في الكفاءة قوله تعالى ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ ) ([2])
وقوله ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ) ([3]).
وعن أبي حاتم المزني رَضِيَ الله عَنْهُ قال: قال رسول الله ﷺ: ” إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ” قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ” ثلاث مرات (رواه الترمذي (1085)، وقال حديث حسن غريب، وأخرجه البيهقي في سننه (7/82)، وأخرجه الترمذي أيضاً(1084)، عن أبي هريرة، وحسنه الألباني في الإرواء (6/266).
ولأن الفاسق مردود الشهادة والرواية، غير مأمون على النفس والمال، مسلوب الولاية فلا يجوز أن يكون كفؤاً لعفيفة ولا مساوياً، لكن يكون كفؤاً لمثله ([4]).
واتفق الفقهاء أيضاً على عدم اعتبار بعض الصفات كالجمال والعلم والسنّ ونحوها.
واختلفوا في ما عدا ذلك من خصال الكفاءة ومنها النسب ([5]).
ولهم في الكفاءة في النسب ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن النسب لا اعتبار به في الكفاءة.
وبه قال المالكية([6])، وهو قول عند الشافعية([7])، وبه قال الظاهرية([8])، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([9]).
القول الثاني: أن النسب معتبر به في الكفاءة، ولكنه شرط لزوم وليس شرط صحة.
وبه قال الحنفية([10])، والشافعية([11])، وهو قول عند المالكية([12])، وبه قال الحنابلة في المشهور من المذهب عندهم([13]).
القول الثالث: أن النسب معتبر به في الكفاءة، وهو شرط لصحة النكاح.
وهو رواية عند الحنفيـة([14])، ورواية عن الإمام أحمد، وبه قال جماعة من متقدمي الحنابلة([15]).
قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: إذا تزوج المولى العربية فرق بينهما ([16]).
أدلة القائلين بأن الكفاءة في النسب شرط لصحة النكاح:-
[ 1 ] عن عائشة رَضِيَ الله عَنْها قالت:قال رسول الله ﷺ : ” تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ” رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا ([17]).وجه الدلالة: أن النبي ﷺ أمر بنكاح الأكفاء، والعرب تعتبر الكفاءة في النسب، فإذا أطلقت الكفاءة وجب حملها على المتعارف، فإذا أنكحت المرأة غير كفء فقد خالفت أمر النبي ﷺ في نكاحها فيفيد ذلك بطلانه.
[ 2 ] عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال عمر رَضِيَ الله عَنْهُ: ” لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء ” (أخرجه ابن ماجة (1/633)، والدار قطني (3/299)، والبيهقي (7/133)، قال الذهبي: فيه الحارث بن عمران الجعفري متهم بالكذب وعكرمة ضعفوه، انظر: التلخيص على المستـدرك (2/176)، ونقل ابن قدامة في المغني (9/388)، عن ابن عبد البر قوله: هذا ضعيف لا أصل له ولا يحتج بمثله).وفي لفظ: عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال عمر رضي الله تعالى عنه: لا ينبغي لذوات الأحساب تزوجهن إلا من الأكفاء (سنن البيهقي (7/133)،ولكن هذا الأثر فيه انقطاع حيث إن إبراهيم بن محمد بن طلحة لم يدرك عمر رَضِيَ الله عَنْهُ. انظر تهذيب التهذيب (1/153)، الإرواء (6/265).
[ 3 ] عن أوس بن ضمعج عن سلمان رضي الله عنه قال: نفضلكم بفضل رسول الله ﷺ يعني العرب لا ننكح نساءكم(المعجم الكبير للطبراني (6/260)، سـنن البيهقي (7/133)، وقد جوَّد إسناده شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم ص (158)، وانظر الكلام عليه في الإرواء (6/280) فقد تردد الألباني في تصحيحه).وجه الاستدلال من الأثر: أن سلمان رَضِيَ الله عَنْهُ يرى أن نكاح العربية بغير العربي ممنوع.
[ 4 ] أن المرأة إذا كانت أعلى منصباً من الرجل اشتغلت عنه، فلا يتم المقصود من النكاح وتختل القوامة التي هي عماده ([18]).
أدله القائلين بأن الكفاءة في النسب شرط لزوم:
استدل أصحاب هذا القول من المنقول بالأدلة السابقة في القول الثالث، ولكنهم لم يحملوها على اشتراط الكفاءة لصحة النكاح، وإنما جعلوها دالةً على اشتراطها للزوم.
وأما من المعقول فمن أدلتهم: أن في ذلك غضاضةً على أولياء المرأة وعليها فالأمر إليهم في ذلك ([19]).
ويستدلون على صحة النكاح مع اختلاف النسب بجملة أدلة منها:
[ 1 ] عن عائشة رَضِيَ الله عَنْها قالت إن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند ابنة الوليد بن عتبة وهو مولى لامرأة من الأنصار …(أخرجه البخاري (4800). [ 2 ] أمـر النبي ﷺ فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد مولاه فنكحها بأمره …(أخرجه مسلم (1480). [ 3 ] وزوج مولاه زيد بن حارثة ابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية (أخرجه الدارقطني (3/301)، والبيهقي (7/136).وجه الاستدلال: من هذه الأحاديث ظاهر، فإن شرط الكفاءة غير متحقق في هذه العقود الزوجية، ومع ذلك أقرها عليه الصلاة والسلام.
أدلة القائلين بعدم اعتبار الكفاءة في النسب لا للصحة ولا للزوم:
[ 1 ] قوله تعالى: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ([20]). [ 2 ] عن رجل من أصحاب النبي ﷺ، عن النبي ﷺ أنه قال: ” لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى ” أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/411)، وإسناده صحيح.وجه الاستدلال: أن العبرة إنما هي بالدين والتقوى، وإذا لم يُعتبر غير ذلك سقط اعتبار النسب في الكفاءة.
[ 3 ] حديث أبي هريرة مرفوعاً: ” يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه وكان حجاماً “رواه أبو داود رقم (2102)، قال في بلوغ المرام ص (941): بسنـدٍ جيـد، وحسنـه في التلخيص (3/146).وجه الاستدلال: أن أبا هند لم يكن مكافئاً لبني بياضة في النسب، ومع ذلك أمرهم النبي ﷺ بإنكاحه.
ثمرة الخلاف:
إذا تزوجت امرأة بمـن لا يكافؤها في النسب فإن ثمرة الخلاف السابق تظهر كما يلي:
على القول الأول: وهو أن الكفاءة في النسب غير معتبرة، فإن النكاح صحيح.
وعلى القول الثاني: وهو أن الكفاءة في النسب معتبرة وهي شرط لزوم وليست شرط صحة، فإن النكاح صحيح ولكن لمن لم يرضَ من زوجة أو ولي حق الفسخ.
ولأصحاب هذا القول تفصيل في هذا الحق من يملكه ومتى يسقط([21]).
وأما على القول الثالث: (وهو أن الكفاءة في النسب معتبرة على أنها شرط صحة) فإن النكاح باطل والحال هذه ويفرق بين الزوجين.
بعض الفتاوى الجماعية
- في فتوى اللجنة الدائمة رقم: (2513): “الصحيح: أن المعتبر في النكاح الكفاءة في الدين لا في النسب، لعموم قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)([22])… ثم ذكروا طائفة من الأدلة السابقة.
- في قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في دورته الرابعة عشرة (رقم 1/14): ” قرار 1/14:
أولاً: توافر الكفاءة بين الزوجين يحقّق الانسجام بينهما والتوافق واستمرار العشرة دون نفور أو مشكلات تنشأ بسبب الاختلافات البيئية والفروق الاجتماعية.
ثانياً: لقد جمعت الشريعة الإسلامية بين اعتبار ما عليه بعض المجتمعات من مراعاة الفروق والمستويات لتحقيق الاستقرار العائلي، وبين ما جاءت به من قِيم ومُثل تعتمد التفاضل بالتقوى وتحصيل الفضائل والمزايا المكتسبة، مع تأكيد المقرّرات الشرعية على تذويب تلك الفروق وإبراز التفاضل القائم على العمل الصالح والتقوى، وذلك بأسلوب التقويم والإصلاح والحكمة.
ثالثاً: إن ما اشتملت عليه الاجتهادات الفقهية لعلماء المسلمين من التعداد لصفات الكفاءة كان مراعاة للواقع المعيش في كلّ عصر، باعتبار ما لذلك من أثر على متانة العلاقة الزوجية والأسرية، ولم تغفل تلك الاجتهادات التأكيد على أن الكفاءة السلوكية تحلّ محلّ الكفاءة الاجتماعية العُرفِية.
رابعاً: لا خلاف أن أعلى صفات الكفاءة هي التديّن “.
تنبيهات في مسألة الكفاءة في النسب في ضوء الواقع المعاصر
- المقصود بالكفاءة لدى الفقهاء المتفق عليها والمختلف فيها كلاهما إنما هي الكفاءة من جهة الزوج أن يكون كفؤاً للمرأة، أما العكس فليس بشرط بالاتفاق إلا خلافاً شاذاً، فللرجل أن يتزوج من هي دونه في الكفاءة في عامة خصالها ومنها النسب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج من غير قريش، وكذا الصحابة تزوجوا ممن هنّ دونهم بل بأعجميات، وذلك أنه ليس على الرجل من غضاضة، ولا على قومه من نقيصة في زواجه ممن هي دونه بخلاف العكس ([23]).
- مع أن الأمر كما ذكرنا فإن بعض المجتمعات لا تقبل فيها بعض العائلات أن يتزوج أبناؤها ممن يرونهم دونهم في النسب، وقد أنكرها بعض فقهائنا المعاصرين كابن عثيمين ([24])، وتساهل فيها بعضهم كابن باز حيث قال: “وربما خاف بعضهم من إيذاء بعض قبيلته إذا قالوا له: لم زوجت فلانا، هذا قد يفضي إلى الإخلال بقبيلتنا وتختلط الأنساب وتضيع إلى غير ذلك، قد يعتذرون ببعض الأعذار التي لها وجهها في بعض الأحيان ولا يضر هذا، وأمره سهل..إلى أن قال: وإذا رغب بعض الناس أن لا يزوج إلا من قبيلته فلا نعلم حرجا في ذلك” ([25]).
- بعض المجتمعات لها معايير في تكافؤ النسب قد لا تكون منضبطة ولا مطردة، ولذا فحتى على اعتبار الكفاءة في النسب والتي هي محصورة في زواج الحسيبة ممن هو دونها ينبغي تحرير ذلك، وبعبارة أخرى فإن التفاوت في النسب درجات بعضها ظاهر، وبعضها دون ذلك.
([1] ) المبسوط (5/22)، بدائع الصنائع (2/320)،، بداية المجتهد (2/16)، المغني (9/391)، فتح الباري (9/132)، الإفصاح لابن هبيرة (2/121)، فتاوى شيخ الإسلام (15/317)، القوانين الفقهية ص (171)، أسنى المطالب (3/139)، روضة الطالبين (5/425)، وقد أجاز ابن حزم كما في المحلى (10/24) زواج العدل من الفاسقة والعكس بشرط عدم الزنا.
([5]) الفتاوى (15/317)، بداية المجتهد (2/16)، المغني (9/391)، روضـة الطالبين (5/427).
([6]) بدايـة المجتهـد (2/16)، القوانين الفقهية ص (132)، التاج والإكليل (5/107)، شرح الخرشي (3/205).
([9] ) الإنصاف (8/108)، وانظر الفتاوى (19/28) (15/317).
([10] ) بداية المبتدي ص (61)، فتح القدير (3/294).
([11] ) روضة الطالبين (5/427).
([13] ) المغني (9/388، 391)، الإنصاف (8/108).
([14] ) بدائع الصنائع (2/318)، حاشية ابن عابدين (3/85).
([16] ) المغني (9/387)، وفي مسائل ابن هاني (1/197)، سئل عن المولى يتزوج العربية؟ فقال : لو كنت أنا فرقت بينهمـا، وانظر : مسائل الإمـام أحمد أيضاً لابنه صالح (2/253)، الإشراف لابن المنذر (1/18)، فقد حكاه أيضاً عن الثوري.
([17] ) قال البوصيري في الزوائد : في إسناده الحارث بن عمران المدينى. قال فيه أبوحاتم : ليس بالقوى.
([20] ) سورة الحجرات : آية (13).
([21] ) انظر : روضة الطالبين (5/428).
([22]) سورة الحُجُرات: الآية 13.
([23]) المبسوط (5/22)، بدائع الصنائع (2/320)،، بداية المجتهد (2/16)، المغني (9/391)، فتح الباري (9/132)، الإفصاح لابن هبيرة (2/121)، فتاوى شيخ الإسلام (15/317)، القوانين الفقهية ص (171)، أسنى المطالب (3/139)، روضة الطالبين (5/425)، مراتب الاجماع ص (117).
1. اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، من كتاب العارية إلى نهاية كتاب النكاح – دراسة مقارنة، أ.د فهد بن عبد الرحمن اليحيى. الناشر: دار كنوز إشبيليا، وقد استقينا صياغة المسألة منه.
2. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز الجزء الخامس.
3. “اللقاء الشهري” لابن عثيمين رقم 20.
4. المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، الدورة العادية الرابعة عشرة المنعقدة بمقر الأمانة العامة بدبلن في الفترة من: 14 محرم 1426 إلى: 18 منه الموافق لـ 23 فبراير 2005 إلى 27 منه، قرار 1/14، (http://www.e-cfr.org/ar/index.php?ArticleID=282).
5. ” معوقات التوافق بين الزوجين في ظل التحديات الثقافية المعاصرة للأسرة المسلمة “، الدكتور / عثمان بن صالح بن عبد المحسن العامر، مجلة كلية التربية / جامعة الإمارات العربية المتحدة، السنة الخامسة عشرة، العدد 17، 2000م.
6. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الفتوى رقم: (2513).