قسم الأقليات المسلمةباب الزواج

الزواج فترة الدراسة

مسألة رقم 32

العناوين المرادفة

الزواج بنية الطلاق.
الزواج أثناء السفر.
كتْم الرجل نية طلاق المرأة حال العقد.

صورة المسألة

أن يتزوج الرجل المرأة، ولا يُعلمها أنه سوف يطلِّقها بعد مدة من الزمن، وأغلب هذه الزيجات تتم بين المبعوثين، حيث يخشى المبتعث على نفسه من العنت، فيتزوج طوال وجوده في البلد الأجنبي، حتى إذا انقضت مصلحته من البلد سافر وطلق المرأة.

حكم المسألة

الزواج بنية الطلاق مسألة اختلف فيها الفقهاء قديماً وحديثاً، فمن أجازه منهم نظر إلى الناحية الإجرائية، وأدلته:

1- أنه استوفى العقد أركانه وشروطه فهو صحيح، ولا عبرة بالنية.

2- أن الحاجة تدعو إليه.

3- أنه يختلف عن المتعة.

 

ومن قال بالمنع نظر إلى:

1- أنه سيكون سبيلا للمتعة.

2- فيه غش وتدليس.

3- ينفر عن الإسلام.

 

أقوال العلماء:

الاتجاه الأول: جواز هذا النوع من الزواج بشرط عدم تحديد الوقت:

أبرز من قال به من المعاصرين:

1- سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز:

فقد سئل: أنا موظف مغترب في المملكة في مدينة الرياض، وأنا سوري الجنسية، أرغب التزوج بطريقة زواج بنية الطلاق، فما حكم الإسلام في هذا، خاصة أنه عندما ينتهي عقد العمل في المملكة أريد أن أطلق وأسافر؟ أفيدوني أفادكم الله؟.

فكان جواب سماحته رحمه الله:

هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والأكثرون على جواز ذلك؛ لأن النية داخلية ليس فيها مشارطة بينه وبين أهل الزوجة، ولا بينه وبين الزوجة، فليس هذا من باب المتعة، بل هذا نكاح شرعي صحيح عند جمهور أهل العلم، وكونه ينوي الطلاق في المستقبل عند سفره أو عند حاجة أخرى لا يضره ذلك، هذا شيء مباح له، الطلاق مباح له عند الحاجة إليه، ولكن ليس بشرط، أما إذا شُرط عليه ذلك أنه يطلق في وقت كذا بعد شهر بعد شهرين بعد سنة، أو اتفق على ذلك، هذه المتعة المحرمة لا يجوز، لكن ما دام هذا شيئاً في نفسه ليس بينه وبينهم فيه شرط وإنما هو بينه وبين الله – عز وجل- فهذا لا يضر النكاح على الصحيح عند جمهور أهل العلم.

ومما قاله أيضاً: أما الزواج بنية الطلاق ففيه خلاف بين العلماء، منهم من كره ذلك كالأوزاعي – رحمه الله – وجماعته، وقالوا إنه يشبه المتعة فليس له أن يتزوج بنية الطلاق عندهم، وذهب الأكثرون من أهل العلم كما قال الموفق ابن قدامة -رحمه الله – في المغني إلى جواز ذلك إذا كانت النية بينه وبين ربه فقط، وليس بشرط كأن يسافر للدراسة أو أعمال أخرى وخاف على نفسه فله أن يتزوج ولو نوى طلاقها إذا انتهت مهمته، وهذا هو الأرجح إذا كان ذلك بينه وبين ربه فقط من دون مشارطة ولا إعلام للزوجة ولا وليها، بل بينه وبين الله، فجمهور أهل العلم يقولون لا بأس بذلك كما تقدم، وليس من المتعة في شيء؛ لأنه بينه وبين الله، ليس في ذلك مشارطة([1]).

 

2- اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:

فقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ ابن باز بجواز هذا الزواج.

 

3- سماحة الشيخ ابن جبرين([2]):

هذا هو الزواج بنية الطلاق، وقد منع منه كثير من المشايخ، وألحقوه بنكاح المتعة المحرم شرعاً عند أهل السنة، قالوا: ولأن الرخصة فيه تؤدي إلى التعدي ومخالفة الشرع؛ حيث إن البعض قد يجتمع في ذمته أكثر من أربع ما بين معتدة ومستبرأة ومنكوحة بهذا النكاح وبغيره من النكاح المعتاد.

ثم إن كثيراً من العلماء رخصوا فيه إذا تمت الشروط وانتفت الموانع، ودفع للمرأة صداقها كاملًا، ولم يكن هناك شرط تحديد المدة للبقاء معها، ولم يجبرها أو يكرهها وليها، فلا مانع من هذا النكاح، ولو كانت نيته التجربة أو التعفف، والخوف من الوقوع في الزنا، وله أن يطلقها، وإن ناسبت له جاز له السفر بها إن تيسر له ذلك، والله أعلم.

وربما كان الشيخ فيصل مولوي يشير إلى هذا الحل (الطلاق بعد الزواج) كأسلوب عملي أفضل من زواج المتعة الذي يتضمن تحديد مدة الزواج مسبقاً، فيقول:” إن زواج المتعة لا حاجة له في شريعتنا الإسلامية؛ لأن الأصل في الزواج التأبيد، ولأن إمكانية الطلاق سهلة في أحكامنا الشرعية، فلو تزوج المسلم فتاة لمدة معينة ثم وجدها مناسبة له يمكنه أن يجعل هذا الزواج دائماً. ولو أنه تزوج زواجاً دائماً ثم شعر بعد أيام أنه لا يستطيع العيش مع زوجته فبإمكانه طلاقها.. فما هي الحاجة إذن إلى تعيين مدة للزواج طالما أن إمكانية الطلاق موجودة حتى قبل انقضاء هذه المدة؟”.

وهذا النوع من الزواج وإن كان يشابه زواج المتعة المعروف لدى الشيعة، من حيث تحديد مدة الزواج عمليا، إلا أنه لا يتضمن التصريح بذلك في العقد وإنما النية فقط في القلب، ويحتاج إنهاؤه إلى التلفظ بصيغة الطلاق، كما أن المرأة تستحق على الزوج النفقة والميراث كأي زواج دائم بخلاف زواج المتعة.

 

الاتجاه الثاني: تحريم هذا النوع من الزواج:

أبرز من قال به:

1-فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:

فقد سئل: شخص أراد أن يذهب إلى الخارج لأنه مبتعث فأراد أن يحصن فرجه بأن يتزوج من هناك لمدة معينة ثم بعد ذلك يطلق هذه الزوجة دون أن يخبرها بأنه سوف يطلقها، فما حكم فعله هذا؟

فأجاب: “هذا النكاح بنية الطلاق لا يخلو من حالين:

إما أن يشترط في العقد بأنه يتزوجها لمدة شهر أو سنة أو حتى تنتهي دراسته، فهذا نكاح متعة، وهو حرام.

وإما أن ينوي ذلك بدون أن يشترطه.

فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه حرام وأن العقد فاسد، لأنهم يقولون: إن المنوي كالمشروط، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) (البخاري 1) والاتجاه الثاني لأهل العلم في هذه المسألة: أنه يصح أن يتزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها إذا فارق البلد، وهذا أحد القولين لشيخ الإسلام ابن تيمية.

وعندي أن هذا صحيح ليس بمتعة؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف المتعة، لكنه محرم من جهة أنه غش للزوجة وأهلها، وقد حرم النبي ﷺ الغش والخداع، فإن الزوجة لو علمت بأن هذا الرجل لا يريد أن يتزوجها إلا لهذه المدة ما تزوجته، وكذلك أهلها. كما أنه هو لا يرضى أن يتزوج ابنته شخص في نيته أن يطلقها إذا انتهت حاجته منها، فكيف يرضى لنفسه أن يعامل غيره بمثل ما لا يرضاه لنفسه. هذا خلاف الإيمان؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) (البخاري 6/ 13).

ولأنني سمعت أن بعض الناس اتخذ من هذا القول ذريعة إلى أمر لا يقول به أحدٌ، وهو أنهم يذهبون إلى البلاد للزواج فقط. يذهبون إلى هذه البلاد ليتزوجوا ثم يبقوا ما شاء الله مع هذه الزوجة التي نوى أن زواجه منها مؤقت ثم يرجع، فهذا أيضاً محظور عظيم في هذه المسألة، فيكون سد الباب فيها أولى؛ لما فيها من الغش والخداع والتغرير، ولأنها تفتح مثل هذا الباب، لأن الناس جُهال وأكثر الناس لا يمنعهم الهوى من تعدي محارم الله”. انتهى([3]).

 

2-اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ([4]):

وذلك في الفتوى رقم (21140) ونصها:

الزواج بنية الطلاق زواج مؤقت، والزواج المؤقت زواج باطل؛ لأنه متعة، والمتعة محرمة بالإجماع، والزواج الصحيح: أن يتزوج بنية بقاء الزوجية والاستمرار فيها، فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها، قال تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة 229].

 

3- المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي([5]):

مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، قد نظر في موضوع: (عقود النكاح المستحدثة): الزواج بنية الطلاق، وهو: زواج توافرت فيه أركان النكاح وشروطه، وأضمر الزوج في نفسه طلاق المرأة بعد مدة معلومة كعشرة أيام، أو مجهولة كتعليق الزواج على إتمام دراسته أو تحقيق الغرض الذي قدم من أجله.

وهذا النوع من النكاح على الرغم من أن جماعة من العلماء أجازوه، إلا أن المجمع يرى منعه؛ لاشتماله على الغش والتدليس؛ إذ لو علمت المرأة أو وليها بذلك لم يقبلا هذا العقد.

ولأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة تسيء إلى سمعة المسلمين.

 

أمين مجمع علماء الشريعة بأمريكا:

فإن الزواج عقد موضوع لاستدامة العشرة بين الزوجين، ودخول التوقيت فيه يفسده.

فإذ اشترط التوقيت صراحة كان نكاح متعة، وهو باطل بإجماع المذاهب المتبوعة عند أهل السنة.

وإذا أضمر الزوج نية الطلاق بعد مدة ولم يصرح بهذه النية فهو زواج متعة كذلك عند الحنابلة.

وذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يفسد بذلك، لأن هذه النية قد تتغير، والعقود تبطل بما شرط لا بما نوي، ومنهم من ذهب إلى صحة العقد ولزوم الإثم لهذا الزوج الغاش الذي أضمر نية لو علم بها الطرف الآخر ما قبل بتزويجه، ولعل هذا الأخير هو أسعد هذه الأقوال بالصواب([6]).


([1]) من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (ج 31، ص 119)..

([2]) الفتوى رقم: 4100

([3]) فتاوى المرأة المسلمة« (2/757، 758)..

([4]) الفتوى رقم (21140)

([5]) في دورته الثامنة عشــرة المنعقــدة بمكة المكرمة، في الفترة من 10-14/3/1427هـ الذي يــوافقه 8-12/4/2006م

([6]) موقع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية. https://www.amjaonline.org/..

المراجع

• فتاوى المجمع الفقهي الإسلامي.
• فتاوى اللجنة الدائمة.
• فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله.
• فتاوى الدكتور حسام الدين عفانة.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى