قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب العقوبات

التعزير بالأعمال التطوعية

مسألة رقم 301

العناوين المرادفة

1. التعزير بأعمال البر.
2. التعزير بالخدمة الاجتماعية.
3. الإلزام بالأعمال التطوعية في العقوبة التعزيرية.

صورة المسألة

ذكر الفقهاء المتقدمون – رحمهم الله تعالى – أمثلة للعقوبات التعزيرية لبعض الجرائم من الجلد والضرب والحبس والتوبيخ… إلى آخر ما ذكروه دون أن يتعرضوا للتعزير بالأعمال التطوعية، فهل يجوز إثباته باعتباره يحقق المقاصد العامة للتعزير مع ما علم من الشارع من إطلاق يد الحاكم فيه أم أن خصوصية القربة ينافي معاقبة الجاني بها؟

حكم المسألة

يحسن بيان أنواع العقوبات التعزيرية بالأعمال التطوعية، ومقاصد التعزير قبل بيان الحكم.

أولا: أنواع العقوبة التعزيرية بالأعمال التطوعية

تنقسم الأعمال التطوعية إلى قسمين:

الأول: ما كان من قبيل العبادات المحضة، وهو ما كان نفعه قاصرا؛ بحيث لا يكفي إيجاد صورة الفعل في تحصيل مصلحته؛ بل لا بد من قصد القربة ليكون معتبرا؛ مثل: الصلاة والصيام، وقراءة القرآن، وسائر أنواع الذكر…

الثاني: ما كان من قبيل العبادات ذات النفع المتعدي؛ بحيث أن تحقيق صورة الفعل يكفي في تحصيل المقصود، ولو لم يقترن ذلك بنية القربة؛ وذلك مثل: حفر القبور، وتنظيف المساجد، وإماطة الأذى عن الطريق…

 

ثانيا: بيان المقاصد العامة للتعزير

يهدف الشارع بالعقوبة التعزيرية إلى تحقيق جملة من المقاصد، من أبرزها:

  1. الردع والزجر: ويأتي ذلك في مقدمة مقاصد التعزير؛ وذلك كي لا يفكر الجاني بعد التعزير من تكرار الجريمة، وينزجر به غيره، وهذا المقصود يعلِّل به الفقهاء في ضوابط الاجتهاد في العقوبة التعزيرية، ويؤكدون ضرورة أن يكون رادعا.
  2. الإصلاح والتهذيب؛ وذلك لأن التعزير يهدف إلى توجيه سلوك الجاني وتهذيب أخلاقه العامة ليكون عنصرا صالحا في المجتمع، يمارس حياته الطبيعية مستقيما على شرع الله.
  3. المحافظة على الضروريات الخمس التي يتوقف عليها حفظ مصالح الدين والدنيا، وهي: (الدين والنفس والمال والعرض والعقل)؛ فالتعزير وسيلة فاعلة لحفظها في جانب الوجود بما يثبِّت قواعدها، ودرء ما يسبب لها الاختلال الواقع أو المتوقع.
  4. إرضاء المجني عليه ورعاية حق المجتمع من الجاني، فمن اعتُدي عليه في نفسه أو ماله أو عرضه… بما لا يوجب قصاصا، أو عقوبة مقدرة من الشارع كان الواجب في ذلك التعزير الذي يتحقق به إرضاء المجني عليه باستيفاء حقه من الجاني.
  5. تحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد، فأي ظلم يقع على أي فرد من الأفراد لا حد له في الشريعة يجب فيه التعزير بما يدفع الضرر عن المجني عليه، ويعوِّضه عما فاته بسبب الجناية..

 

ثالثا: حكم التعزير بالأعمال التطوعية

لا خلاف بين المعاصرين – كما نقله بعض الباحثين – في جواز التعزير بأعمال البر المتعلقة بخدمة المجتمع – كتنظيف المرافق العامة، وجمع المساعدات العينية بالطرق النظامية وتوزيعها، والمشاركة في الإسعاف والإنقاذ في الحوادث والكوارث؛ وسندهم في ذلك:

  1. ما رواه ابن عباس – رضي الله عنه – قال: (…كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله – ﷺ – فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة)] أخرجه أحمد برقم: (2216) 4/92[.

وجه الدلالة: أن في طلبه – ﷺ – تعليم بعض أبناء المسلمين من بعض أسارى بدر بدلا من الفدية: استبدال العقوبة المالية بخدمة تنفع المسلمين؛ فيكون ذلك أصلا في التعزير بالأعمال التطوعية ذات النفع المتعدي.

  1. القياس على إطعام عدد من المساكين في بعض الكفارات الواردة في ارتكاب بعض المحظورات الشرعية؛ كإطعام ستين مسكينا في كفارتي الجماع في نهار رمضان، والظهار، وإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم في كفارة اليمين.

وتحرير القياس: أن التعزير بخدمة المجتمع ومشروعية الإطعام والكسوة في بعض الكفارات يشتركان في الإلزام بتقديم خدمة للفئة المحتاجة بسبب الوقوع في مخالفة شرعية، فهذا وإن كان حكما من الله لتكفير معصية إلا أن فيه معنى العقوبة باعتبار أن الكفارات زواجر.

  1. أن التعزير بخدمة المجتمع يتفق مع مقاصد الشارع في التعزير من جهة أنه يؤدب الجاني، ويحقق مصلحة الزجر وحماية الجماعة من شره، ويفضي إلى النفع العام للمجتمع، وفي هذا جمع بين مقصود الشارع في التعزير، ومقصوده في تحصيل المصالح العامة.
  2. أن التعزير بخدمة المجتمع ينسجم مع قاعدة: “جلب المصالح ودفع المفاسد” من جهة ما يترتب عليه من تخفيف الأضرار النفسية عن الجاني من القلق الناتج عن العزلة، وترسيخ قيم العمل التطوعي، وتقليل أعداد المساجين التي تكلف الدولة…

ولكن ذكروا أن جواز التعزير بخدمة المجتمع يتقيد بالضوابط العامة في التعزير؛ ومن أبرزها:

  1. المحافظة على كرامة الجاني وعدم التعرض لها بسوء استنادا إلى قول الحق تبارك وتعالى:(۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) ]الإسراء: 70[.
  2. أن لا يترتب عليه مفسدة أعظم؛ كأن يؤدي به إلى الوفاة أو إتلاف بعض منافعه، فيمتنع التعزير في هذه الحالة؛ لأن الضرر منفي في الشريعة، والعقوبة على هذا التقدير تُخل بمقصود الشارع في التعزير.
  3. مناسبة العقوبة ومكافأتها للجناية انسجاماً مع مبدأ العدالة المقررة في الشريعة الإسلامية في قول الرب قول الحق تبارك وتعالى: (۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90[ وذلك مثل: معاقبة من يتجاوز الإشارة الحمراء أو يقوم بالتفحيط، ويكلف بالعمل في الإسعاف ليرى آثار الحوادث المرورية على النفوس؛ فيتعظ بذلك ويرتدع.

وأما ما كان من قبيل العبادات المحضة فقد اختلفوا فيه على اتجاهين:

الاتجاه الأول: يجوز الإلزام بالعبادات المحضة في العقوبة التعزيرية، وهو رأيٌ لبعض المعاصرين.

واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله – ﷺ – عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل، قال رسول الله -ﷺ -: (وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما، ثم يوما، ثم رأوا الهلال، فقال: (لو تأخر الهلال لزدتكم) كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا). ]أخرجه البخاري برقم: (1965) 3/37، ومسلم برقم:( 1103) 2/774[.

وجه الدلالة: أن النبي – ﷺ – واصل بهم تنكيلا، والتنكيل يعد نوعا من التعزير، وقد وقع في عبادة محضة؛ فدل ذلك على جواز التعزير بالقربات المحضة بدلالة فعله صلى الله عليه وسلم.

 

الاتجاه الثاني: لا يجوز الإلزام بالعبادات المحضة ذات النفع القاصر في العقوبة التعزيرية، وهو رأي لبعض المعاصرين.

وعللوا ذلك بتعليلين:

  1. أن العبادات مشروعة على سبيل القربة، ومن ثم لا بد أن تقع بقصد القربة والامتثال، وفي الإلزام بها على سبيل العقوبة تفريغها من هذا المعنى، وإتيانها عقوبة لا امتثالا.
  2. أن هذا يؤدي إلى تنفير الناس عن العبادات المحضة ضرورة أنها مقصودة من الجاني عقوبة له؛ وذلك يخالف مقصود الشارع في العبادات ومقصوده في مشروعية التعزير.
المراجع

1. التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية والاجتماعية، د. ناصر بن إبراهيم المحيميد.
2. التعزير بالخدمة الاجتماعية، الباحث الرئيس أ.د. عبد العزيز بن محمد بن عبد الله الحجيلان، والباحث المشارك د. إبراهيم بن قاسم الميمن. منشورات مركز التميز البحثي.
3. التعزير بخدمة المجتمع، د. منى التويجري. المجلة العربية للدراسات الأمنية، مجلد 30 العدد: 265 عام: 1435 هـ.
4. ملخص الإلزام بالأعمال التطوعية في العقوبة التعزيرية، لجنة البحوث والنشر بمركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة، عام : 5/4/1430 هـ.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى