قسم الفقه الطّبيباب الانتفاعات الطبية

التجارب العلمية العلاجية

المسألة رقم 20

صورة المسألة

التجارِب العلمية العلاجية هيكل بحث منهجي يهدف إلى تنمية معرفة طبية أو المساهمة فيها بطريقة مباشرة.

حكم المسألة

يجوز إجراء الأبحاث العلمية الطبية على الإنسان وفق ضوابط معينة، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقا) رقم 161 (17/10) بشأن الضوابط الشرعية للبحوث الطبية البيولوجية على الإنسان، في دورته السابعة عشرة بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427، وجاء فيه:

(بعد الاطلاع على الأبحاث الواردة إلى المجمع من الباحثين في موضوع: الضوابط الشرعية للبحوث الطبية البيولوجية على الإنسان، والوثيقة الصادرة عن الندوة التي أقامتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت في الفترة ما بين 29 شوال -2 ذي القعدة 1425بالقاهرة عن القواعد الإرشادية الأخلاقية العالمية لأبحاث الطب الحيوي المتعلقة بالجوانب الإنسانية رؤية إسلامية. وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:

 

أولاً: اعتماد المبادئ العامة للوثيقة:

يؤكد المجمع على اعتماد المبادىء العامة والأسس التي بُنيت عليها الضوابط المنظمة لأخلاقيات الأبحاث الطبية الأحيائية (البيولوجية) وفقًا للآتي:

  • احترام الأشخاص وتكريم الإنسان أصل ثابت مقرر في الشريعة الإسلامية لقوله تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) سورة الإسراءالآية: 70.

وعليه يلزم احترام استقلالية الشخص الكامل الأهلية، المتطوع لإجراء البحوث الطبية، وتمكينه من الاختيار الشخصي، واتخاذ القرار المناسب له برضاه التام وإرادته الحرة، دون شائبة إكراه أو خديعة أو استغلال، لما هو مقرر شرعًا من أنحق الآدمي لا يجوز لغيره التصرف فيه بغير إذنه.

كما أن للشخص فاقد الأهلية أو ناقصها حمايته من التجاوز عليه حتى من الولي أو الوصي، وعلى ذلك جاء في القواعد الفقهية العامةمن لا يصح تصرفه لا قول له، وقد أقامت له الشريعة وليًا أو وصيًا يلي تدبير أموره ورعاية شؤونه على النحو الذي يحقق مصلحته الخالصة دون أي تصرف ضار أو محتمل الضرر.

  • تحقيق المصلحة وهو أصل في الشريعة الإسلامية من خلال جلب المصالح ودرء المفاسد عن العباد، أما في الحالات التي لا مناص فيها من المفسدة فإنه يصار إلى دفع أعظم الضررين وأشد المفسدتين بارتكاب الأخف والأدنى.
  • تحقيق العدل، وهو الالتزام الأخلاقي بمعاملة كل شخص وفقًا لما هو صواب وصحيح من الناحية الأخلاقية وإعطاء كل ذي حق حقه سواء أكان ذكرًا أم أنثى، وهو أصل مقرر في الشريعة الإسلامية، وهو أحد الصور التنفيذية لمبدأ إقامة العدل والإنصاف الذي أرسى الإسلام قواعده وجعله محور الصلاح والنجاح في الحياة.
  • الإحسان: وقد وردت بشأنه أجمع آية في القرآن الكريم للحث على المصالح كلها وللزجر عن المفاسد بأسرها وهي قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) سورة النحل آية 90.

 

ثانيًا: ضوابط الأبحاث الطبية الأحيائية (البيولوجية) على الإنسان:

يؤكد المجمع على اعتماد ضوابط البحوث الطبية الأحيائية على الإنسان التي اشتملت عليها الوثيقة المشار إليها في ديباجة القرار باعتبارها تنظم عملية إجراء البحوث الطبية الأحيائية في إطار مبادىء وأحكام الشريعة الإسلامية، مع دعوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية إلى عقد مؤتمر موسع يضم الأطباء والفقهاء لتعميق المعرفة بهذه الضوابط).

ويرى بعض الباحثين أن النوع الأول وهو التجربة العلاجية أمر جائز شرعًا إلحاقًا لها بأنواع التداوي المشروعة إذا اضطر إليها الإنسان، ولم يكن هناك وسيلة يمكن تحقيق شفاء المريض أو نفعه إلا بها، واستدل لذلك بما يلي:

  • قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (سورة البقرة من الآية173). وقوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (سورة الأنعام من الآية145)، فهذه الآيات تفيد أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الضرورة تقدر بقدرها، وأن المريض إذا احتار في علاج مرضه الأطباء ولم تفلح الوسائل الموجودة لعلاجه فإنه يجد نفسه مضطرا لإجراء تجربة دواء جديد يرجى شفاؤه به، فيباح استعماله.
  • ما ورد في الصحيح عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال:لما كسرت على رأس رسول الله ﷺ البيضة وأدمي وجهه وكسرت رباعيته وكان علي يختلف بالماء في المجن، وجاءت فاطمة –رضي الله عنها- تغسل عن وجهه الدم فلما رأت فاطمة الدميزيد على الماء عمدت إلىحصير فأحرقتها وألصقتها على جرح رسول الله ﷺ فرقأ الدم.(أخرجه البخاري في صحيحه برقم 5722، دار الشعب – القاهرة)

وجه الاستدلال: أن فيه إباحة تجربة دواء جديد لعلة لم تفلح الوسائل المعروفة في علاجها، ولم ينكر عليها ذلك رسول الله ﷺ مما يدل على إباحة التجارب العلاجية.

 

وهذا على فرض أن التداوي بالحصير لم يكن معلومًا عندهم[1].

  • أن الله تعالى إذا أباح شيئًا أباح الوسائل المؤدية إليه، وقد أباح الله عز وجل التداوي من الأمراض وعلاجها لا يتحقق إلا باستخدام وسائل لعلاج الأمراض ولا يتم الوصول إليها إلا عن طريق التجربة، وإذا ثبت هذا فلا مفر من اللجوء إلى التجارب العلاجية فللوسائل حكم المقاصد.
  • أن الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد، ويترتب على هذا إباحة كل ما يحقق مصالح العباد، مما لم يدل على المنع منه دليل، والتجارب العلاجية داخلة في ذلك، فتأخذ حكم الإباحة.

[1]ينظر سنن الترمذي 3/ 481، فتح الباري 10/ 174.

المراجع

1- قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقا) رقم 161 (17/10)، في دورته السابعة عشرة بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427.
2- نطاق الحماية الجنائية للميئوس من شفائهم والمشوهين خلقيًا في الفقه الجنائي الإسلامي والقانون الجنائي الوضعي د. محمود إبراهيم محمد مرسي، دار الكتب القانونية، مصر، ودار شتات للنشر والبرمجيات، مصر.
3- حكم إجراء التجارب الطبية (العلاجية) على الإنسان والحيوان، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية قسم الفقه، إعداد/ عفاف عطية كامل معابرة.
4- أحكام التجارب الطبية د. عبد الرحمن العثمان، رسالة دكتوراه، قسم الفقه بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى