قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الحدود

الانتفاع بخط الهاتف أو الإنترنت دون إذن صاحبه

مسألة رقم 281

العناوين المرادفة

1. سرقة الخط التليفوني أو الإنترنت.
2. استخدام الشبكات دون إذن صاحبها.
3. استخدام الإنترنت اللا سلكي دون إذن.

صورة المسألة

إذا انتفع شخص بخط الهاتف أو الإنترنت دون إذن صاحبه، يرد السؤال في الوصف الشرعي لهذا الاعتداء على تقدير معرفة الجاني بالوسائل المؤكِدة لثبوت الجناية؟

حكم المسألة

أولا: أن بخط الهاتف أو الإنترنت يوفر الشبكة وخدمات الاتصال للمستفيد مقابل دفع المبالغ المطلوبة للاشتراك والاستهلاك، ومن ثم فهو من قبيل المنافع الحاصلة بالأموال، والتي لا يجوز التعدي عليها بغير حق، كما تقرر ذلك في جملة من الأدلة، ومن أبرزها:

  1. قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) ] النساء:29[.

وجه الدلالة: أن الاعتداء على الخط التليفوني وشبكات الإنترنت بالانتفاع بهما دون إذن صاحبه يعد من قبيل أكل أموال الناس بالباطل في صورته المعنوية؛ باعتبار أن هذه الخطوط تمثل مالا معصوما لا يجوز التعدي عليه.

  1. حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-أن النبي- ﷺ – قال: ( كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه ) ] أخرجه مسلم برقم: ( 1688) 3/1316[.
  2. حديث جابر- رضي الله عنه-أن النبي- ﷺ -قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام…) ] أخرجه البخاري برقم: ( 1739) 2/176، ومسلم برقم: (1679) 3/1306[.

وجه الدلالة: أن الحديثين يدلان على تحريم الدماء والأموال والأعراض، والانتفاع بالخط التليفوني أو الإنترنت اعتداء على حرمة المال الخاص بغير حق؛ فكان داخلا في التحريم.

  1. قوله – عليه الصلاة والسلام – : (لا ضرر ولا ضرار) [أخرجه مالك برقم: (31) 2/745، وابن ماجه برقم: (2341) 2/784، والحاكم برقم: (2345) 2/66، وصححه على شرط مسلم].

وجه الدلالة: أن الانتفاع بالخط التليفوني أو الإنترنت دون إذن صاحبه يفضي إلى إضعاف هذه الخدمات بما يوجب الضرر؛ والضرر منفي في الشريعة مطلقا، سواء كان ابتداء أو مقابلة للضرر بالضرر.

  1. أن حرمة المال مقصود ضروري راعاه الشارع في تقريره للأحكام، والانتفاع بالخط التليفوني أو الإنترنت دون إذن صاحبه يخل به؛ فيكون ممنوعاً.

ثانيا: يلزم من الانتفاع بالخط التليفوني أو الإنترنت على جهة الاعتداء تعويضُ المالك عن الأضرار الناجمة على ما تقتضيه قاعدة الضمان، وتأديبُ الجاني بما يراه الحاكم متوافقا مع مبادئ التعزير المقررة في الشريعة.

ثالثا: أن تكييف الانتفاع بالخط التليفوني أو الإنترنت باستخدامه دون إذن صاحبه راجعٌ إلى خلاف الفقهاء – رحمهم الله تعالى – في مالية المنافع، وقد اختلفوا في ذلك على اتجاهين:

الاتجاه الأول: أن المنفعة ليست بمال متقوم، ولكنها تتقوم في باب الإجارة للضرورة، وهذا مذهب الحنفية، ومقتضى ذلك: أن خدمات الهاتف والإنترنت لا تعد من قبيل الأموال، فلا تكون سرقتها موجبة للقطع.

واستدلوا على ذلك بدليلين:

  1. أن صفة المالية إنما تثبت بالتمول؛ وذلك يحصل بصيانة العين وادخاره لوقت الحاجة، والمنافع أعراض تتلاشى كلما خرجت من حيز العدم إلى حيز الوجود؛ فلا يتصور فيها التمول.
  2. أن المنافع لا تضمن بالإتلاف؛ وذلك دليلٌ على انتفاء وصف المالية عن المنافع.

 

الاتجاه الثاني: أن المنفعة تعد مالا باعتبار أن المال هو كل ما يتمول به عادة، ويتضمن نفعا مباحا، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، ومقتضاه: أن الاعتداء على الخط التليفوني أو الإنترنت يعد سرقة توجب القطع إذا توافرت شروطه.

واستدلوا على ذلك بأدلة، من أبرزها:

  1. تزويجه – ﷺ– أحد الصحابة بما معه من القرآن في قصة المرأة التي وهبت نفسها له كما في حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – في الصحيحين [أخرجه البخاري برقم: (2310) 3/100، ومسلم برقم: (1425) 2/1040]. مع قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ) [النساء: ٢٤].

وجه الدلالة: أن النبي – ﷺ – زوَّج المرأة، وجعل صداقها تعليمها للقرآن الكريم، وفي الآية اشتراط مالية الصداق، فيترتب على المقدمتين اعتبار المنفعة مالا ضرورة: أن اشتراط المالية في الصداق، ووقوعَه في صورة منفعة يستلزم مالية المنافع.

  1. أن الأعيان لا تقصد بذاتها، وإنما تقصد لما تختص به من المنافع، فصح بذلك أن تكون أموالا، خاصة وأن الناس قد جرت عادتهم على تمولها وتقويمها.

 

الخلاصة: أن استخدام الشبكات أو الهاتف – بحسب الواقع – له صورتان:

الصورة الأولى: أن تكون عامة أو مفتوحة – كما في الفنادق والمطاعم والمطارات وأماكن العمل الجماعية – فيجوز استخدامها في هذه الحالة؛ لوجود دلالة الإذن العام على الاستخدام.

الصورة الثانية: أن تكون لشخص خاص غير مقفلة بكلمة السر، فلا بد في هذه الحالة من إذن صريح أو عرفي، فمن استخدمها دون إذن صاحبها فهو آثم، ويلزمه الاعتذار لصاحبه باعتبار أن هذه الشبكات من قبيل الأموال، وخدماتها المقدمة له حقا لا يجوز الاعتداء عليه شرعا، ومن فعله كان متعديا على حرمة المال الخاص، وبهذا التفصيل أفتت دار الإفتاء المصرية، ودائرة الإفتاء العام الأردنية.

وأما وصف عقوبته فيتوقف على كونه سرقة موجبة للقطع على الخلاف في مالية المنافع.

المراجع

1. الاعتداء الإلكتروني- دراسةً فقهيةً- د. عبد العزيز بن إبراهيم الشبل.
2. دار الإفتاء المصرية (www.dar-alifta.org)، فتوى رقم: (4013).
3. دائرة الإفتاء العام الأردنية (www.aliftaa.jo)، فتوى رقم: (3191).
4. نوازل السرقة وأحكامها الفقهية، د. فهد بن بادئ المرشدي.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى