قسم الفقه الطّبيباب الاستنساخ

استنساخ النباتات والحيوانات

المسألة رقم 8

صورة المسألة

أولا: استنساخ النباتات:
ذكر العلماء أن الاستنساخ في مجال النبات والغراس يتم منذ أمد بعيد، وأن عمليات الاستنساخ في هذا المجال في تطور مستمر، وقد كان لهذه العمليات أثر في إكثار النباتات والمغروسات، وتحسين سلالتها، والحفاظ على أصولها الوراثية.
ولقد تمكن الإنسان منذ آلاف السنين من استنساخ النبات أو الغراس، بغية إكثاره، بالوسائل التي استطاعها، والتي تمكنه من ذلك -كما مرّ من قبل- وقد طرأ تغير في تقنية استنساخ النبات أو الغراس بحيث أمكن استنساخه بالخلايا أو الأنسجة، ونشأ عن ذلك سلالات متميزة كثيرة الإنتاج، مقاومة للأمراض والآفات، تتحمل ظروف البيئة والطقس، وندرة المياه، وضعف التربة، وغير ذلك.
ثانيًا: استنساخ الحيوان:
بدأ الاستنساخ في مجال الحيوان في سنة 1938م على الضفادع، ثم انتقل في فترة الثمانينيات من القرن الماضي إلى سائر الحيوانات، وما زالت معامل البحوث مستمرة في إجراء عمليات الاستنساخ الحيواني حتى نهاية القرن الماضي، ولم تتوقف بعد، وقد استخدمت في الحيوان جميع أنواع الاستنساخ (العذري، والجنيني، والجيني)، وكانت بداية النوع الثالث في الحيوانات عام 1952.
‏كما تمكنت مراكز البحوث الحيوانية، من تطوير تقنية استنساخ الحيوانات، بحيث صارت تعطي إنتاجًا وافرًا من اللحم، واللبن، والصوف أو الوبر، وتقاوم الأمراض، وينتج بعضها بروتينات علاجية تفرز في لبنها، تعالج مرض السكر، وضعف النمو، وتعمل عمل المضاد لتخثر الدم، وغير ذلك، وإنتاج أضداد تعالج أنواعًا من السرطان، بالإضافة إلى التجارب التي تجرى على بعض أنواع الحيوان، لاستزراع بعض الجينات الخاصة بالأعضاء البشرية في أثناء التكوين الجنيني لهذه الحيوانات، ليتخذ من أعضائها قطع غيار بشرية، واستنساخ النباتات والمغروسات والحيوانات، صار واقعًا بعد التجارب العلمية والعملية التي أجريت في هذا الصدد.

حكم المسألة

إذا كانت الغاية من هذا الاستنساخ نفع الإنسان على النحو السابق، فليس ثمة ما يمنع شرعًا منه، إذا لم يترتب على استنساخها الإضرار بالحيوان المستنسخ، أو إتلافه، وخلت عملية الاستنساخ من العبث بجيناته الوراثية، لإنتاج مسخ مشوه منه، أو نحو ذلك.

‏ومما يدل على جواز استنساخها لنفع الناس، أن الله سبحانه خلق ما في السماوات وما في الأرض من جماد وحيوان لنفع الإنسان، حتى يتمكن من إعمار الأرض التي استخلفه الله فيها، ودليل هذا الآيات الكثيرة الدالة على أن ما خلق الله تعالى من نبات وغراس وحيوان، إنما هو لنفع الإنسان، ومن هذه الآيات ما يلي:

  1. قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) [ سورة لقمان آية20].
  2. ‏قال سبحانه: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ ) [ سورة الحج آية 65 ].
  3. ‏قال جل شأنه: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ) [سورة إبراهيم آية 32 ].

‏فهذه الآيات وكثير غيرها يدل على أن الله سبحانه خلق النبات والغراس والحيوان لنفع الإنسان، فإذا تمكن الإنسان من استحداث تقنية لاستنساخ نبات أو غراس يحقق له وفرة في الإنتاج، أو يحمل خصائص معينة تجعله يقاوم الحشرات والآفات، ويتحمل عوامل الطقس وعدم ملاءمة التربة ونحو ذلك، فلا حرج عليه في اتخاذها، وكذلك إذا تمكن من استحداث تقنية لاستنساخ حيوانات، تحقق له فائدة علاجية، أو صناعية، أو اقتصادية، أو غيرها من وجوه النفع المباح، فلا حرج عليه كذلك في أن يستخدمها، إذا اتبعت في استنساخها الضوابط المشار إليها سابقا، وذلك لنهي الشارع عن إتلاف الحيوان لغير حاجة أكله، ونهيه عن إيذاء الحيوان أو الإضرار به؛ بوصفه مالًا، إذ يعد إتلاف الحيوان والحال هذه إضاعة للمال، وهو محرم شرعًا.

 

‏وقد ذهب إلى جواز الاستنساخ، في النبات والحيوان بضوابطه السابقة، كثير من العلماء المعاصرين، وهو الذي انتهى إليه المجتمعون في الندوة الفقهية الطبية التاسعة، المنعقدة بالدار البيضاء في المدة من 14-17/6/1997م، تحت عنوان: “رؤية إسلامية لبعض المشكلات الطبية”، حيث ورد ضمن توصياتها: “لم تر الندوة حرجًا في الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية” في مجالي النبات والحيوان، في حدود الضوابط المعتبرة”، وهو ما انتهى إليه المؤتمرون في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي، في دورته العاشرة المنعقدة بجدة، في المدة من 28/6 إلى 3/7/1997م، حيث ورد ضمن قرارات هذا المؤتمر ما نصه: “يجوز شرعًا الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية، في مجالات الجراثيم، وسائر الأحياء الدقيقة، والنبات والحيوان، في حدود الضوابط الشرعية، بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد”.

وهو ما انتهى إليه المجتمعون في ندوة الاستنساخ والهندسة الوراثية المنعقدة برعاية جمعية العلوم الطبية الإسلامية الأردنية عام 2000م.

‏وإذا كان جمهور العلماء المعاصرين قد أباحوا جميع أنواع الاستنساخ في الحيوان، إلا أن بعضهم نازع في مشروعية استنساخ الحيوان جينيًا، حيث قال بمنعه، وعلل لرأيه: بأن في الاستنساخ الجيني للحيوان مخالفة للنمط الذي خلق الله عليه الحيوانات، وهو تغيير لسنة الله في خلقه، وقد ترتب على مخالفة سنة الله في طعام البقر، ظهور الجنون بها، لأنه ليس من سنة الله أن نطعم البقر آكل النبات لحمًا ودمًا، وقد يطال هذا المثال الميكروبات التي تسببت في مرض الإيدز وغيره، ومن ميزات الإسلام أن يعطينا رؤية سليمة للأشياء، لا نعرفها وقد تتكشف لنا في مراحل أخرى بعد الدراسة والنظر، ونحن لا نستطيع أن نتبين الآن عدم وجود أضرار لهذا الإجراء إلى أن يتكاثر هذا النوع من الخلق، وتظهر أضراره المحتملة، والخشية من ظهور مفاسد وأضرار هذا النوع من التنسيل مستقبلًا، فبوسع الإنسان أن يخالف سنن الله في خلقه، ولكنه قد يدمر نفسه، ولأنه قد يترتب على فتح هذا الباب في مجال الحيوان أن يفتح في مجال الإنسان، فينبغي سد الذريعة إليه في مجال الحيوان، حتى لا يتذرع به في مجال الإنسان.

المراجع

1-فقه القضايا الطبية المعاصرة، د. علي محيي الدين القره داغي، والدكتور علي المحمدي.
2-أبحاث اجتهادية في الفقه الطبي، د. محمد سليمان الأشقر، ط.1 1422هـ، دار الرسالة- بيروت.
3-الاستنساخ في ضوء الأصول والقواعد الأصولية والمقاصد الشرعية، د. نور الدين مختار الخادمي، ط.1 1422هـ، دار الزاحم للنشر، الرياض.
4-الاستنساخ بين العلم والدين: د. عبد الهادي مصباح، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
5-أعمال ندوة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل، التي نظمتها رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع جامعة الإمارات العربية المتحدة في 20-22/12/1997م.
6-الاستنساخ في نظر الإسلام، بحث علمي للدكتور عبدالفتاح محمود إدريس، منشور ضمن مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
7-قرارات مجمع الفقه الإسلامي بمكة في دورة مؤتمره العاشر سنة 1997م
8- ندوة الاستنساخ والهندسة الوراثية المنعقدة برعاية جمعية العلوم الطبية الإسلامية بعمان، الأردن، سنة 2000م.
9-قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي، الدورات 1-10.
الاستنساخ، د. إياد أحمد ابراهيم، بحث منشور ضمن بحوث مستجدات طبية معاصرة من منظور فقهي، مكتبة الرشد –الرياض

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى