قسم المعاملات الماليةباب الذهب

استبدال الذهب مع أخذ أجرة التصنيع

المسألة رقم 205

العناوين المرادفة

• بيع الذهب المصنوع بالذهب الخالص متفاضلا.
• أثر الصنعة على المال الربوي كالذهب حين يتحول إلى حلي، والقمح حين يتحول إلى خبز.

صورة المسألة

بيع الذهب المصنوع المصاغ من الحلي من السلاسل والخواتم والخلاخل والأساور بوزنه من ذهب آخر خالص مع أخذ أجرة التصنيع.
تحرير محل النزاع:
– لا خلاف أنه لا اعتبار للجودة والرداءة في مبادلة الذهب بالذهب، وأنه يجب فيه التماثل والتقابض( ).
– ثم اختلفوا في اعتبار أثر الصنعة في صياغة الحلي، فهل يجوز أخذ الأجرة مقابلها عند مبادلة الذهب بالذهب؟ هنا محل البحث.

حكم المسألة

للعلماء قولان في المسألة:

القول الأول: المنع، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة([1])، وبه قال أكثر العلماء([2])، وحكي فيه الإجماع، وصدر به قرار مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي، وهيئة كبار العلماء، وفتوى اللجنة الدائمة([3]).

استدلوا بما يلي:

النصوص العامة في تحريم بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل:

  • منها حديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة…. مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد). [أخرجه مسلم رقم (1587)].
  • عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: (أتي رسول اللهصلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب وزنا بوزن) [أخرجه مسلم رقم (1591)].

وجه الاستدلال: إنكار النبي صلى الله عليه وسلم بيع قلادة الذهب بدون فصله عن الخرز، وأمره ألا يباع الذهب إلا وزنا بوزن، وأيضا لو كان الذهب يخرج بالصنعة من الثمنية ويكون سلعة من السلع لم يشترط الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزع الذهب من القلادة.

  • عن أبي سعيد الخدريرضي الله عنه، قال: (جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر ردي، فبعت منه صاعين بصاع، لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أوَّه أوَّه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتره) [أخرجه البخاري رقم (2312 )، ومسلم رقم (1594)].

وجه الاستدلال: أن الشارع لم يعتبر تفاوت الصفات في الربوي (وهو هنا التمر)، في جواز التفاضل، ومثله عدم اعتبار الصفات في كونه دخلته الصنعة أو لا، كما هو الحال في الحلي.

4- عن مجاهد، قال: (كنت أطوف مع عبد الله بن عمر، فجاءه صائغ، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك أكثر من وزنه فأستفضل في ذلك قدر عمل يدي، فنهاه، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة، وعبد الله ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابته يريد أن يركبها، ثم قال عبد الله بن عمر: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا وعهدنا إليكم) [أخرجه مالك في الموطأ، رقم (2540)].

5- عن عطاء بن يسار: (أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا، إلا مثلا بمثل فقال له معاوية: ما أرى بهذا بأسا فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية، أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، فذكر ذلك له، فكتب عمر إلى معاوية: لا تبع ذلك إلا مثلا بمثل أو وزنا بوزن). [أخرجه مالك، رقم (2541)].

6- عن أبي قلابة، قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث، قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث، فجلس، فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت، قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد، أو ازداد، فقد أربى»، فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا، فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: ” لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كره معاوية – أو قال: وإن رغم – ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء). [أخرجه مسلم رقم(1587)].

 

القول الثاني: الجواز، وهذا اختيار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه([4])، ونصره ابن تيمية وابن القيم([5])، ونُسِبَ إلى الإمام مالك، ونفاه عنه أصحابه([6]).

استدلوا بما يلي:

  • أن ما غيَّرته الصنعة – كالذهب إلى حلية، والبر إلى خبز – فإنه يصير جنسا آخر من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، فيجوز التفاضل بينه وبين ما بقي على صفته.
  • أنه كما لا تجب الزكاة في الحلي عند الجمهور، فإنه كذلك لا يجري فيها الربا، فإن النصوص في أبواب الربا وفي أبواب الزكاة متشابهة، فكلها ذكرت بألفاظ الذهب والفضة وبألفاظ الدراهم والدنانير.
  • كان الناس على عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم يتخذون الحلية، وكان النساء يلبسنها ويبعنها؛ ومعلوم قطعا أنها لا تباع بوزنها، فإن مثل الحلقة والخاتم والفتخة لا تساوي دينارا، ولم يكن عندهم فلوس يتعاملون بها، وهم كانوا أتقى لله وأفقه في دينه وأعلم بمقاصد رسوله من أن يرتكبوا الحيل أو يعلموها الناس.
  • أن عمل الناس على اعتبار ثمن الصنعة عند المبادلة.
  • أنه لو لم يجز بيعه فسدت مصالح الناس؛ لأن العاقل لا يبيع أثر صنعته مجانا، فإنه سفه وتضييع للمال، والشارع لا يأتي بمثل هذا.
  • أن في المنع من أخذ ثمن الصنعة من الحرج والعسر والمشقة ما تتقيه الشريعة، وتكليف الاستصناع لكل من احتاج إليه إما متعذر وإما متعسر، والحيل باطلة في الشرع.
  • تحريم ربا الفضل إنما كان سدا للذريعة، وما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل؛ فإن الشارع قد جوز بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه؟ فلم يبق إلا جواز بيعه كما تباع السلع.
  • أن من القائلين بالمنع من يعتبر رد الذهب وقيمة الصناعة عند الإتلاف، فكما اعتبروا الصنعة في الإتلاف فليعتبروها عند البيع، ولا فرق، فكله مثلا بمثل([7]).

 

بدائل ومخارج للمسألة عند المانعين:

  • إن قال لصائغ: صغ لي خاتما وزنه درهم، وأعطيك مثل وزنه، وأجرتك درهما. فليس ذلك ببيع درهم بدرهمين؛ فإن للصائغ أخذ الدرهمين؛ أحدهما في مقابلة الخاتم، والثاني أجرة له.
  • إذا أراد الصائغ أن يأخذ قيمة الصنعة، فلا يبيع الحلي من الذهب بالذهب، بل يبيع الحلي من الذهب بالدراهم، والحلي من الفضة بالدنانير، أو يبيعهما بالأوراق النقدية. هذا هو سبيل الفكاك من الوقوع في الربا، وهو مطلب يسير غير متعذر([8]).

 

الملاحق:

قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 84 (1/9)[1] بشأن تجارة الذهب، الحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة:

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 – 6 ذي القعدة 1415هـ، الموافق 1 – 6 نيسان (إبريل) 1995م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: “تجارة الذهب، الحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة”، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،

 

قرر ما يلي:

أولاً: بشأن تجارة الذهب:

أ- يجوز شراء الذهب والفضة بالشيكات المصدقة، على أن يتم التقابض بالمجلس.

ب- تأكيد ما ذهب إليه عامة الفقهاء من عدم جواز مبادلة الذهب المصوغ بذهب مصوغ أكثر مقداراً منه، لأنه لا عبرة في مبادلة الذهب بالذهب بالجودة أو الصياغة، لذا يرى المجمع عدم الحاجة للنظر في هذه المسألة مراعاة لكون هذه المسألة لم يبق لها مجال في التطبيق العملي، لعدم التعامل بالعملات الذهبية بعد حلول العملات الورقية محلها، وهي إذا قوبلت بالذهب تعتبر جنساً آخر([9]).


([1]) المبسوط للسرخسي (14/11)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (2/527)، الأم للشافعي (3/80)، المغني لابن قدامة (4/ 8).

([2]) المجموع شرح المهذب (10/ 83).

([3]) مجلة مجمع الفقه (العدد 9 الجزء 1 ص 369 قرار رقم 88/1/ د 9، قرار هيئة كبار العلماء (رقم 168)، تاريخ 4/3/1411هـ، فقرة (2)، فتاوى اللجنة الدائمة (1- 13/ 500).

([4]) الاستذكار (6/ 347)، المجموع شرح المهذب (10/ 83).

([5]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 391)، تفسير آيات أشكلت (2/ 622)، الفروع وتصحيح الفروع (6/ 294)، إعلام الموقعين (2/ 107)، وثمة قول آخر لابن تيمية بالمنع، ينظر: مجموع الفتاوى (29/ 463).

([6]) الاستذكار (6/ 351)، البيان والتحصيل (6/ 444)، المجموع شرح المهذب (10/ 83).

([7]) شرح التلقين (2/ 305)، تفسير آيات أشكلت (2/ 622)، إعلام الموقعين (2/ 107)، الإنصاف للمرداووي (12/ 19).

([8]) المغني لابن قدامة (4/ 9)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (11/ 300).

([9]) قرار رقم 88/1/ د 9 مجلة مجمع الفقه (العدد 9 الجزء 1 ص 369).

المراجع

1- مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد التاسع.
2- فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، نشر: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء – الإدارة العامة للطبع – الرياض.
3- المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، دبيان الدبيان، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض- المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، 1432هـ.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى