قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب مسائل القضاء

أثر المستندات الرسمية في الإثبات

مسألة رقم 177

صورة المسألة

المستند الرسمي الذي هو عبارة عن ورقة يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه، أو تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقاً للأوضاع القانونية، وفي حدود سلطته واختصاصه، فما حكم العمل به في الإثبات، هل يعتبر أو لا؟

حكم المسألة

إذا توفرت الشروط المعتبرة في المستند الرسمي؛ بأن قام بتحريره موظف عام أو شخص مكلف بأداء خدمة عامة، وكان ذلك من اختصاصه، وراعى الأحكام المقررة في النظام المعتمد من قبل الدولة، وكان المظهر الخارجي للمستند ناطقاً برسميته قامت بذلك كله قرينة قوية على سلامة هذا المستند من الناحية المادية، وعلى أنه قد صدر ممن يحمل توقيعاتهم من الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة.

وبناء على ذلك يعتبر المستند الرسمي حجة في الإثبات من غير حاجة إلى أن يقر ذوو الشأن بما ورد فيه، وعليه فلا يطلب من الشخص المتمسك به أن يقيم الدليل على صحته؛لقوة ما تمسك به من مستند، ومتى نازع الخصم في صحة هذا المستند كان عليه أن يثبت صحة منازعته، ولا سبيل أمامه إلا عن طريق الطعن بتزوير المستند، وهذا ولا شك يحتاج إلى جهد لإثباته.

ومتى ظهر على المستند عيب مادي كوجود كشط، أو محو، أو تحشير بين السطور أو في الهوامش، مما يثير الشبهة في مصداقية هذا المستند وتعرضه لشيء من التلاعب فإنه يجوز للقاضي أن يهدر قيمة هذا المستند أو ينقص منها.

والقول بحجية هذه المستندات في الإثبات تشهد له المصلحة العامة في حفظ حقوق الناس وأموالهم، والاطمئنان على ممتلكاتهم، وإذا كان الله عز وجل أمر المتداينين بالكتابة في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ) [البقرة: 282]، وكان ذلك مقبولاً في الإثبات، فكيف إذا كانت الكتابة من جهة رسمية، والثقة فيها أقوى.

ولا ننسى هنا أن المستندات الرسمية أعمال صادرة عن ولي الأمر أو نوابه، وأمرٌ هذا حاله يجب أن يحظى بالرعاية والمحافظة والثقة؛ تحقيقاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) [النساء: 59]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني» [رواه البخاري (7137)، مسلم (1835)]، فطاعة ولي الأمر تستلزم حمل أعماله على الصالح العام، والصالح العام يقضي باحترام المستندات الصادرة عن ولي الأمر أو أحد نوابه.

والبيانات الواردة في المستند الرسمي على نوعين:

النوع الأول: البيانات التي يقوم الموظف بتدوينها بنفسه كتاريخ المستند، والمكان الذي تم توثيقه فيه، وتوقيع ذوي الشأن، وتوقيع الموظف ونحو ذلك، ومثلها البيانات التي يدلي بها ذوو الشأن أمام الموظف عن طريق القول أو الفعل كإقرار الأطراف بالتراضي عن التصرف بالشروط المدونة في المستند، ودفع الثمن أمام الموظف، وإقرار البائع بأنه تسلمه، وبأن المشتري تسلم المبيع، فيدون الموظف ما رآه وسمعه، فهذه البيانات تعتبر حجة على ما سبق ولا يمكن إنكارها أو الطعن فيها إلا بالتزوير.

 

النوع الثاني: البيانات التي اتفق عليها ذوو الشأن، وتم توقيعها فيما بينهم، واقتصر دور الموظف على تدوينها فقط على مسئولية ذوي الشأن دون أن يكون في استطاعة ذلك الموظف التحقق من صحتها، فهذه البيانات لا تؤثر في رسمية المستند، وإن كان يجوز إثبات عكسها بكافة وسائل الإثبات من غير حاجة إلى ادعاء التزوير.

فإذا أقر أحد المتعاقدين عند الموظف بأنه باع منزلاً على الآخر، وأقر الآخر بالشراء، فإن ما تم من إقرار أمام الموظف يلحقه وصف الرسمية بعد إثباته في المستند؛لأنه وقع في حضور الموظف، ولذلك لا يجوز إنكاره إلا بادعاء تزوير هذا المستند، ولكن لو ادعى أحدهما أن هذا البيع صوري، كان له أن يثبت صورية هذا البيع بالطرق المقررة في الإثبات دون الحاجة إلى ادعاء التزوير.

وكذا لو أثبت الموظف أن المشتري دفع الثمن أمامه فإن هذه الواقعة التي تمت أمام الموظف وبصره لا يجوز إنكارها إلا عن طريق ادعاء التزوير، ولكن يمكن إثبات أن دفع الثمن كان صورياً، أو أن النقد كان للبائع أعطاه للمشتري ليسلمه له أمام الموظف، بطرق الإثبات المختلفة دون الحاجة إلى ادعاء التزوير.

وينبغي التنبيه إلى أن الصور (الفوتوغرافية) للأوراق الرسمية (طبق الأصل) تأخذ حكم الأصل في حجيتها في الإثبات بها متى كانت مصدقة ومعتمدة من جهته الرسمية وبختمها، وتوقيع مسئول مع الشرح بما يفيد مطابقتها للأصل، ولا يوجد في شكلها الخارجي ما يدعو للشك والارتياب فيها.

المراجع

• القرائن المادية وأثرها في الإثبات (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) د. زيد القرون (462 ـ 470).
• شرح أحكام قانون الإثبات المدني للعبودي ص123، 127، 125، 86.
• الإثبات في التجارة الإلكترونية لأحمد المهدي ص8.
• حجية الأوراق الرسمية والعرفية لمحمد عابدين ص11.
• الإثبات التقليدي والإلكتروني لمحمد منصور 57، 62، 60.
• دور الحاكم المدني في الإثبات لآدم النداوي ص210، 213.
• قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية لتوفيق فرج ص82، 87- 89، 84.
• حجية المحررات في الإثبات القضائي لمحمود الهمشري ص10، 11.
• طرق الإثبات في المواد المدنية والتجارية لخالد موسى ص32.
• إثبات المحرر الإلكتروني للورنس عبيدات ص 56، 60، 62.
• موجز أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية لمحمد سرور ص59.
• طرق الإثبات في المواد المدنية والتجارية لخالد موسى ص33.
• موجز أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية لمحمد سرور ص61.
• التوثيق والإثبات بالكتابة لمحمد مبارك ص301.
• ضوابط الاستدلالات والإيضاحات والتحريات والاستخبارات لقدري الشهاوي ص393.
• وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية لمحمد الزحيلي ص482.
• توثيق الديون في الفقه الإسلامي لصالح الهليل ص346.

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى