قسم الأقليات المسلمةباب الفرقة بين الزوجين

أثر الردة على عقد النكاح

مسألة رقم 40

العناوين المرادفة

استمرار نكاح المرتد.
أثر اختلاف الدين الطارئ بعد عقد الزواج.
أثر ردة أحد الزوجين على عقد الزواج.

صورة المسألة

في البلاد التي لا يحكم فيها بشرع الله ولا ينفذ حد الردة يكثر أن يقول أو يفعل أحد الزوجين ما يوجب الردة ثم يرجع ويستغفر وقد يكرر ذلك مرارا في اليوم الواحد فهل يبطل النكاح شرعا؟

حكم المسألة

هذه المسألة ليست حادثة بل هي مسألة خلافية قديمة اختلف الفقهاء فيها على اتجاهات ولكن القدر الجديد فيها أن ذلك يكثر بين الأقليات المسلمة، كما هو أكثر المسائل في فقه الأقليات.

من أحكام الردة أن الفرقة تقع بين الزوجين على اختلاف بين العلماء هل الفرقة فسخ أو طلاق بائن؟ فإن كانت الردة قبل الدخول انفسخ النكاح، وإن كانت الردة بعد الدخول انفسخ النكاح عند المالكية والحنفية في الحال، وذهب الشافعية إلى الانتظار حتى انتهاء العدة، وحكي عن أحمد الروايتان.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: “اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حِيلَ بَيْنَهُمَا فَلا يَقْرَبُهَا بِخَلْوَةٍ وَلا جِمَاعٍ وَلا نَحْوِهِمَا.

ثُمَّ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لأَنَّ الرِّدَّةَ تُنَافِي النِّكَاحَ وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا عَاجِلاً لا طَلاقًا وَلا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ.

ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الرِّدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الزَّوْجَ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أَوِ الْمُتْعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَلا شَيْءَ لَهَا.

وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجَ أَوِ الزَّوْجَةَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ: إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ كَانَ ذَلِكَ طَلْقَةً بَائِنَةً، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ لَمْ تَرْجِعْ لَهُ إِلا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، مَا لَمْ تَقْصِدِ الْمَرْأَةُ بِرِدَّتِهَا فَسْخَ النِّكَاحِ، فَلا يَنْفَسِخُ؛ مُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ قَصْدِهَا.

وَقِيلَ: إِنَّ الرِّدَّةَ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلاقٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فَلا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّةُ الزَّوْجَةِ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ وَيَرْجِعَ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِذَا انْقَضَتْ بَانَتْ مِنْهُ، وَبَيْنُونَتُهَا مِنْهُ فَسْخٌ لا طَلاقٌ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فَوْرًا وَتَنَصَّفَ مَهْرُهَا إِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدَّ، وَسَقَطَ مَهْرُهَا إِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ.

وَلَوْ كَانَتِ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَفِي رِوَايَةٍ تُنْجَّزُ الْفُرْقَةُ. وَفِي أُخْرَى تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ”([1]).

 

جاء في فتاوى الأزهر([2]):

من المقرر شرعاً أن المرتد هو الراجع عن دين الإسلام، وأن ارتداد أحد الزوجين فسخ تبين به الزوجة.

وعليه فمتى تحقق ارتداد الزوج المذكور في هذه الحادثة عن دين الإسلام انفسخ نكاح زوجته المذكورة بارتداده، وبانت منه بذلك، وبعد انقضاء عدتها من حين الردة يجوز لها أن تتزوج بغيره. واللّه أعلم.

 

وفي موقع الإسلام سؤال وجواب:

إذا صدر من الزوج ما يوجب الردة عن الإسلام، كسبِّ الله تعالى، أو سب رسوله ﷺ، أو جحد ما عُلِم من الدين بالضرورة، فإن كان قبل الدخول بالزوجة: انفسخ النكاح في الحال.

قال ابن قدامة رحمه الله: “إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول, انفسخ النكاح, في قول عامة أهل العلم, إلا أنه حكي عن داود, أنه لا ينفسخ بالردة؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ولنا: قول الله تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) [الممتحنة 10] وقال تعالى : (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) [الممتحنة 10] ولأنه اختلاف دين يمنع الإصابة [يعني: الجماع], فأوجب فسخ النكاح, كما لو أسلمت تحت كافر”([3]).

وإن كانت الردة بعد الدخول، فهل تقع الفرقة في الحال، أم تتوقف الفرقة على انقضاء العدة؟ فيه خلاف بين الفقهاء:

فمذهب الشافعية والصحيح عند الحنابلة، أنه إن عاد إلى الإسلام قبل انقضاء عدة زوجته فنكاحه باقٍ كما هو، وإن انقضت العدة قبل رجوعه للإسلام وقعت الفرقة، وليس له أن يرجع إلى زوجته إلا بعقد جديد.

ومذهب الحنفية والمالكية أن الردة توجب الفرقة في الحال، ولو كان ذلك بعد الدخول.

وبعض أهل العلم يرى أنه لو تاب بعد انقضاء العدة، فله الرجوع إلى زوجته إن رضيت به ولم تكن قد تزوجت من غيره.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله([4]): “والحاصل أن هذا الزوج الذي ترك الصلاة لا يخلو من ثلاث حالات:

الحال الأولى: أن يكون ذلك قبل العقد، فلا يصح العقد ولا تحل به الزوجة.

الحال الثانية: أن يكون بعد العقد وقبل الدخول أو الخلوة التي توجب العدة، فهذا ينفسخ النكاح بمجرد تركه للصلاة.

الحال الثالثة: أن يكون بعد الدخول أو الخلوة الموجبة للعدة، فهذا يتوقف الأمر على انقضاء العدة، إن تاب وصلى قبل انقضائها فهي زوجته، وإن لم يفعل فإذا انقضت العدة فقد تبيّن فسخه منذ حصلت الردة والعياذ بالله، وحينئذ إما أن لا يكون له رجعة عليها وإما أن يكون له رجعة إذا أسلم وأحب ذلك، على خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة”.

هذا، والفسخ الواقع بسبب الردة لا يحسب من الطلاق، عند جمهور الفقهاء([5]).

 

وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية:

وأما عن حكم بقاء الزوجة؟ فأكثر الفقهاء على أن ردة أحد الزوجين توجب فسخ العقد بغير طلاق.

قال العبادي في شرح مختصر القدوري وهو من الحنفية: وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت البينونة بينهما فرقة بغير طلاق عندهما -يعني أبا حنيفة وأبا يوسف- وقال محمد إن كانت الردة من الزوج فهي طلاق. انتهى.

وقال صاحب درر الحكام -وهو حنفي-: ارتداد أحدهما فسخ عاجل للنكاح غير موقوف على الحكم. وفائدة كونه فسخاً أن عدد الطلاق لا ينتقص به. انتهى.

وقال النووي -رحمه الله- وهو من الشافعية في منهاجه: (ولو انفسخ) أي النكاح (بردة بعد وطء فالمسمى) أي فالواجب هو المهر المسمى. انتهى.

فقد سمى -رحمه الله- الفرقة الحاصلة بسبب الردة فسخاً.

وقال ابن قدامة الحنبلي في المقنع: وإن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح، ولا مهر لها إن كانت هي المرتدة، وإن كان هو المرتد فلها نصف المهر. وإن كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين. انتهى.

والشاهد من هذا تسميته للفرقة الحاصلة بسبب الردة فسخاً.

فهذه المذاهب الثلاثة تعتبر الردة فسخاً لا طلاقاً، وإن اختلفوا بعد ذلك متى تحصل الفرقة؟ هل تحصل بالردة؟ أي فور حصول الردة فلا تحل له إن تاب إلا بعقد جديد.. وهذا مذهب الحنفية.

أو يفرق بين ما إذا حصلت الردة بعد الدخول فلا تحصل الفرقة إلا إذا انقضت العدة ولم يتب مع منع الوطء قبل التوبة. وبين ما إذا حصلت الردة قبل الدخول فتحصل الفرقة حالاً. وهذا التفريق هو مذهب الشافعية وإحدى الروايتين عند الحنابلة.

وخالف هؤلاء جميعاً علماء المالكية رحمهم الله فجعلوا الردة طلقة بائنة توجب الفرقة حال حدوث الردة، قال ابن فرحون في تبصرة الحكام: “والردة طلقة بائنة ممن كان من الزوجين وهو مذهب المدونة، وروى ابن الماجشون عن مالك أنها فسخ بغير طلاق”. انتهى.

وتظهر ثمرة الخلاف بين مذهب الجمهور ومذهب المالكية -أي بين القائلين بالفسخ والقائلين بالطلاق- أنه إن تكررت الردة وتكرر تجديد النكاح جاز ذلك ولو لأكثر من ثلاث مرات على مذهب الجمهور.

وأما على القول إنه طلاق -وهو مذهب المالكية- فإنها تبين منه بينونة كبرى بعد المرة الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

والذي يترجح لدينا ما قاله الشيخ مالك رحمه الله من أن الردة طلاق بائن؛ لأنها فرقة حصلت بلفظ، فأشبهت الطلاق.

وعليه؛ فعلى هذه المرأة أن تمنع نفسها من هذا الرجل؛ لأنه إما أن يكون قد جدد النكاح ثلاث مرات ثم ارتد بعد ذلك فتكون قد بانت منه، فلا تحل له إن تاب إلا بعد أن تنكح غيره. وإما أنه لم يبلغ ذلك العدد فإن حدثت منه الردة فقد بانت منه ولا تحل له إلا بعقد جديد، وحينها نقول لها: هذا لا يصلح زوجاً، فإن الشرع ندب إلى اختيار زوج ذي دين، وأي دين مع من يتجرأ على سب الذات الإلهية مراراً!!. والله أعلم.


([1]) الموسوعة الفقهية الكويتية 22/198.

([2]) من فتاوى الشيخ محمد عبده ، صفر 1313هـ.

([3]) ينظر: المغني (7/133)، الموسوعة الفقهية(22/198)، الإنصاف (8/216)، كشاف القناع (5/121)، تحفة المحتاج(7/328)، الفتاوى الهندية (1/339)، حاشية الدسوقي (2/270).

([4]) فتاوى نور على الدرب فتاوى أركان الإسلام للشيخ ابن عثيمين ص 279، وجواب السؤال رقم (21690).

([5]) الموسوعة الفقهية الكويتية 7/34.

المراجع

• الموسوعة الفقهية الكويتية.
• فتاوى دار الإفتاء ـ مصر.
• موقع الإسلام سؤال وجواب.
• فتاوى الشبكة الإسلامية.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى