قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب مسائل القضاء

أثر التنويم المغناطيسي في الإثبات

مسألة رقم 167

صورة المسألة

يذهب علماء النفس إلى القول بأن الإنسان قد يمر في حياته بأحداث تترك آثارها في نفسه، وتبقى تلك الأحداث في منطقة الشعور حتى إذا ما انقضت فترة من الزمن أو لزم هروب صاحبها من ذكراها فإنها تتسرب إلى أعماق اللاشعور، فهي تختفي وتستقر في اللاشعور إلى أن يجذبها من الأعماق مؤثرات خارجية لا دخل لها فيها ولا في حدوثها، فتظهر هذه الترسبات والمكبوتات كردود فعل لها.
ومن هذه المؤثرات ما يعرف بـ (التنويم المغناطيسي) حيث يمكن من خلاله التسلل إلى بواطن العقل البشري لمعرفة ما قد يحتويه من ضغوط مكبوتة، وأسرار مكتومة، فما مدى الاعتماد على نتائجه في الإثبات؟، فلو أن إنساناً اتهم بأمر ولم يقم الدليل على فعله له، وبعد تنويمه مغناطيسياً أقر بفعل ما اتهم به، أو ذكر بعض الأمور التي تدل على ارتكابه للجريمة، فهل يمكن اعتبار هذا الإقرار، والحكم بموجبه، أو لا؟

حكم المسألة

الاعترافات الصادرة من المنوَّم مغناطيسياً لا قيمة لها قضاء، ولا أثر لها في الإثبات مطلقاً، وقد نص على هذا العديد من الباحثين ويمكن تعليل ذلك بما يأتي:

أولاً: أن إقرار زائل العقل بسبب مباح أو معذور فيه غير صحيح؛ لفقدانه أهم شروط الإقرار (الإرادة والاختيار)، ولذلك لم يصح إقرار النائم نوماً طبيعياً بل هو غير مؤاخذ شرعاً فيما يصدر منه، وإذا كان النائم نوماً طبيعياً لا يعتد بإقراره فالنائم نوماً مغناطيسياً من باب أولى؛ لأن النائم نوماً طبيعياً لا يخضع لسيطرة خارجية ولا إيحاء، بخلاف الآخر.

ثانياً: أن التنويم لم يصل بعد إلى الدرجة الكافية من الثقة العلمية، فقد أثبتت التجارب عدم فعالية التنويم المغناطيسي في مجال البحث عن الحقيقة؛ لأن نتائجه غير مؤكدة علمياً في أغلب الأحيان، فهذه الظاهرة تتسم بالتعقيد الشديد.

ثالثاً: أثبتت العديد من التجارب أن ما يصدر عن الشخص المنوم في أحيان كثيرة ما هو إلا خليط من الذكريات والعقد المنحلة، وردود الفعل العاطفية، وبالتالي فإن المهارة الفنية للطبيب النفساني تقف عند حد تنظيم وترتيب الأشياء، ولكنها لا تعطيها عناصر التأكيد.

رابعاً: أن الشخص الخاضع للتنويم يكون عرضة للإيحاء بشكل أكثر خطورة بحيث أن إرادته تتجه غالباً إلى الخضوع لكل أوامر القائم بالتنويم، بل أكثر من هذا، ففي حالات كثيرة يتمكن الخبير بقوته وسيطرته أن يجعل الشخص النائم متأثراً به إلى درجة كبيرة حتى إنه يجيب عن الأسئلة التي توجه إليه بالصورة والمعنى الذي يرغب فيه المستجوب وفقاً لمقتضيات التحقيق.

خامساً: أن في استخدام التنويم المغناطيسي تعدياً على الحرية النفسية والجسمية للشخص محل التجربة؛ لأنه يكون غير قادر على التحكم في إرادته فيما يريد الإفضاء به أو عدم البوح به لضعف الحاجز القائم بين العقل الواعي والعقل الباطن.

سادساً: أن في استخدام هذا التنويم انتهاكاً لحرمة أسرار النفس البشرية الواجب احترامها، وكشفاً عن خبايا العقل والعقد النفسية التي قد لا يريد إبداءها لأحد.

المراجع

• القرائن المادية وأثرها في الإثبات (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) د. زيد القرون (597 ـ 606).
• وسائل التحقيق المستحدثة وأثرها في الإثبات الجنائي (بحث تكميلي في المعهد العالي للقضاء ـ جامعة الإمام) وائل الثنيان ص 137ـ 145.
• التحقيق الجنائي في الفقه الإسلامي (رسالة ماجستير ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) بندر اليحيى ص 143.
• التحقيق الجنائي المتكامل لمحمد البشري ص302.
• التحريات والإثبات الجنائي للدغيدى ص278.
• حقوق الإنسان والوسائل المستحدثة للتحقيق الجنائي لحسن ربيع ص198-200، 135.
• التحريات والإثبات الجنائي للدغيدى ص279.
• ضوابط الاستدلالات والإيضاحات والتحرياتوالاستخبارات لقدري الشهاوي ص378.
• الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات الجنائي لحسين إبراهيم ص201-202.
• شرعية الأدلة المستمدة من الوسائل الحديثة للسمني ص 347-350، 352، 357.
• الاستجواب اللاشعوري لفريد قاضي ص28.
• التنويم المغناطيسي لمنور الشمري ص179.
• أدلة الإثبات في الفقه الإسلامي لأحمد فراج ص302.
• وسائل التعرف على الجاني لعلاء الهمص ص136.
• وسائل التحقيق المستحدثة وأثرها في الإثبات الجنائي للثنيان ص 145.
• حماية الحياة الخاصة في القانون الجنائي لممدوح خليل ص516.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى